دون تعليق
لا تزال الذاكرة خالدة بأسماء معلقين من الزمن الماضي البعيد والقريب، استطاعوا أن يكونوا على طبيعتهم دون تقليد أو حتى (تصنّع) أو صراخ. والسبب في بقاء أصواتهم بيننا مقارنة بمن هم الآن بيننا، أنهم كانوا يعلقون داخل المستطيل الأخضر وما جاوره، ولا يذهبون بنا إلى خارجه كما يعمل (بعض) معلقي الحاضر، الذين أوجدوا لهم جيشا كبيرا من المعترضين على طرق تعليقهم وصراخهم غير المبرر، حتى إن أحدهم (زعق) بطريقة توقظ النائم من منامه، مع العلم أن الكرة كانت ذاهبة إلى الخروج لرمية (تماس)، وكان بينها وبين الخطورة كما الفرق بين من يشاهد مباراة وهو (متحمس) لها وبين من يشاهدها وهو يستخدم خاصية mute.
حصل حديث سابق بيني وبين أحد الأسماء البارزة حاليًا في مجال التعليق، عن كيفية إيجاد معلق بمواصفات مختلفة، وكيف يمكن اكتشافه، وبعد ذلك تطويره، فكانت إجابته أن الساحة من ناحية المبدأ تفتقد المعلقين أصحاب التميز بذواتهم، الذين يملكون موهبة التعليق (بالفطرة)، وهو ما جعل الكل يقلد الكل حتى في الكلمات وفي طريقة رفع الصوت وخفضه وفي طريقة اختيار الوقت المناسب لطرح المعلومات المتعلقة بالمباراة، حتى إن أحدهم يستمر في ذكر معلومة وهناك هجمة خطيرة أمام المرمى ولا يواكبها إلا في آخر لحظة. وهنا يكون الفرق بين من يستشعر أهمية الهجمة ويكون معها من البداية وبين من يذهب بالمباراة إلى واد آخر. ويقول - وما زال الكلام له - إن القنوات تعاني في البحث والتقصي عن معلق ينال رضا المشاهد.
المشكلة ليست في القنوات بقدر أن الساحة لا تساعد على تقديم من يجد القبول إلا نادرا، ولذلك نجد أن المعلق المميز صاحب القبول لدى الرأي العام يكون مثل اللاعب الموهوب الذي تتسابق عليه الأندية بإعطائه ما لذ وطاب من مميزات مادية ومعنوية تجعله في مكانته الطبيعية. وفي سؤالي له عن أهم ما يجب أن يتوافر له من أشياء أساسية كي يكون معلقا؟، قال إن الثقافة الرياضية (العالمية) هي أهم خطوات القبول، ومنها إلمام كامل بشروط وقوانين كرة القدم تحكيمياً، لأن من أهم أدواره تثقيف المشاهد كي لا يتحول معه إلى مشاهد! وأيضًا يجب عليه ألا يكون مع طرف ضد آخر كي لا يتحول إلى مشجع! وأيضاً من الأفضل أن يكون (متماشيا) مع رتم المباراة فلا يكون متحمسا في مباراة فقيرة فنيا، ولا يكون هادئا في مباراة مليئة بالخطط الفنية الراقية، فإن الموهبة أو الصوت الجميل وحدهما غير كافيين حتى تنال الرضا .. انتهى حديثه.
تغريدة: في ظل وجود بعض المعلقين حاليًا .. تكون المباراة دون تعليق.. أجمل!