تطوير الأفكار بـ «المستثمر النبيل»
يحتاج المطور في مجال الأفكار الجديدة إلى الثقة كعامل رئيس، وذلك لأنه سيخوض عباب بحر التجارة بسفينة الثقة وحسن التعامل، ولكنه أيضا يحتاج إلى آليات جديدة مبتكرة ومستخدمة لتقريب وجهات النظر بين رجال الأعمال (المستثمرين) ومنتجي التقنية الجديدة، فقد اتخذت الدول المتقدمة بعد سنوات عجاف وتجارب مرهقة، بعض الخطوات التي ثبتت جدواها وقلبت هرم نسبة النجاح من 20 إلى 80 في المائة، ومنها صناديق البذورSeeding Money، وهذه الصناديق تنشأ في مكاتب نقل التقنية في الجامعات ومراكز البحوث المختلفة من قبل الدولة أو مؤسسات لا تهدف للربح أو شركات كبيرة متخصصة لخدمة فروع تخصصها، لتستأثر بنتائج البحوث التطبيقية المطورة منذ نشأتها والسيطرة عليها.
وإن كانت التجارة التقليدية لا تحتاج إلى أكثر من المستثمر الجريءVenture Capital Investor فإن عملية نقل التقنية تحتاج إلى جسر آخر لا يعتمد على الثقة فقط، بل يرتفع إلى مستوى الإيمان المطلق بالفكرة المطورة الجديدة، وسمي لدى الدول المتقدمة بـ Angel Investor وترجمتها الحرفية ''المستثمر الملائكي'' وإن كانت هذه الترجمة غير لائقة في ثقافتنا، فإن الترجمة الأنسب لها هي ''المستثمر النبيل''، وهذا المستثمر يؤمن بالفكرة لعدة أسباب أحدها فطري والثاني هو المردود الكبير على رأس المال في حال نجح التطوير ووصل المنتج إلى السوق، فإن معدل مضاعفة رأس المال تتعدى ثلاثين ضعفا خلال فترة لا تتجاوز سنتين إلى خمس سنوات، ومع انعدام هذا المستثمر لدينا وئد كثير من الأفكار الخلاقة، التي لو أنها رأت النور لكان لدينا اقتصاد معرفي يوازي قيمة ما نحصل عليه من النفط وأكثر.
وهذه المشاريع الخلاقة قتلت بسبب ممارسات اللجان المكلفة بدراستها، التي غالبا ما تكون غير متخصصة وتبتعد عن تحمل المسؤولية، حيث ترى أنه من الأنسب اتخاذ قرار سلبي لحفظ القضية ولتقليل المسؤولية في حال أعطت رأيا إيجابيا وتعثرت الفكرة، ويحدوها خوف مستتر بألا تحظى باستمرارية أو حظوة لدى المسؤول الذي طلب الرأي. وأكاد أجزم - من خبرتي في هذا المجال - بأن القرارات التي تخطت هذا الحاجز كانت بعد تجاهل الآراء السلبية لأسباب أخرى، والأدهى والأمر الذي يعتبر حجر عثرة أمام المشاريع التطويرية الجديدة هي فرق المستشارين المدفوعي الأجر في الدوائر الحكومية والشركات الكبيرة ولدى بعض رجال الأعمال، الذين يتوقعون أن من أحال الموضوع إليهم يرغب في التخلص منه، وأنهم جعلوا أداة للرفض فقط، وقد عايشت هذا الواقع على مستوى بعض المستشارين لدى برنامج الملكية الفكرية وترخيص التقنية في الجامعة، حيث نضطر لإعادة الموضوع إليهم بعد أن يأتينا التوجيه بعدم المضي قدما في هذا المنتج الجديد بدون موضوعية، ويبدو أن متخذ الرأي يحاول أن يجاملنا على أساس أننا نريد رأيا ثالثا ليعزز موقفنا في الرفض، وبعد إعادة الموضوع مرة أخرى وطلب الرأي المتخصص تعتدل الرؤية ونحصل على رأي فني وعلمي موضوعي، نستطيع من خلاله اتخاذ قرار بالمضي أو العدول عن مواصلة التطوير في المنتج الجديد.
وفي بداياتنا مع الإبحار في بحر اقتصاد المعرفة نحتاج إلى إيمان مطلق بالأفكار الجديدة، ينبثق من منهجية تحترم آراء الباحثين الذين طوروا هذه التقنية الجديدة على أسس علمية ومنهجية بحثية متبعة في جميع دول العالم، ونستعين بالله على هموم التطوير الكبيرة التي تستغرق كثيرا من الوقت والجهد والمال.