أين أخطأت «العمل» و«الغرف»؟

لم تواجه وزارة العمل، في كل مشاريعها لمحاربة البطالة، ردة فعل عنيفة كما واجهتها في قرارها الأخير برفع التكلفة على العامل بمبلغ 200 ريال شهرياً، وها هي ردود الفعل الغاضبة تتبلور كما كرة الثلج، في حين تظهر الوزارة حزما في مضيها بالقرار، أما الواقع فينبئ بأنها في حيرة من أمرها، فلا يمكن لأي قرار أن يسير في اتجاهه الصحيح دون قناعة كل الأطراف، وفي هذه الحالة يبدو أن تراكمات قرارات سابقة للوزارة قَبِل بها قطاع الأعمال على مضض، غير أنهم وجدوا في القرار الأخير القشة التي ستقصم ظهورهم.
الفجوة الكبرى بين وزارة العمل وقطاع الأعمال آخذة في الاتساع يوماً بعد الآخر، وهو أمر مفهوم إلى حد ما، فالوزارة تأخذ على عاتقها تنفيذ الخطط الحكومية في تخفيض نسب البطالة بين السعوديين والسعوديات، في حين أن قطاع الأعمال ينظر للأمر بمنظور ربحي، وهذا أمر طبيعي، ومتى ما انعكست القرارات الحكومية بالسلب على ربحية المنشأة، فسيكون رد الفعل الطبيعي برفض القرارات مهما كانت، وهنا يأتي خطأ الوزارة الأول في عدم توضيح الانعكاسات السلبية على كل قطاع ومقدار الخسائر التي ستلحق به.
الخطأ الثاني أن وزارة العمل تعودت إصدار القرارات دون التمهيد لها قبلاً، وهو ما كان يمكن أن يساعدها على تعديل القرارات قبل فرضها رسمياً، وعدم الحاجة إلى مواجهة رجال الأعمال والغرف التجارية وهم شريك أساسي في الحرب على البطالة، وهنا لا بد من التذكير بأن الغرف التجارية تتحمل نصيباً من الخطأ، فقد تركت الحبل على الغارب لمدة 14 شهراً، منذ إصدار القرار من مجلس الوزراء، دون تحرك فعلي، فلما بدأ التطبيق خرجت ورفعت صوتها وكأنها فوجئت على حين غرة، بينما الحقيقة أنها تقاعست عن أداء مهامها طوال أكثر من عام.
الخطأ الثالث لوزارة العمل أنها كانت دائما تبشر بأن رفع معدلات السعودة في أي منشأة، سيواجه بحزمة من المكافآت، لكنها في هذا القرار ساوت بين الملتزم والمقصر، وبين النطاقين الأخضر والأحمر، كان من الأجدى أن يفرق القرار في الرسوم بين من نسب السعودة لديه 10 في المائة ومن بلغ 40 في المائة، إلا أن الوزارة آثرت الحل السهل، وليس الحل الصحيح، بالتطبيق على الجميع ووضعهم في كفة واحدة.
سألت مسؤولاً كبيراً في إحدى الشركات السعودية الكبرى عن تأثيرات القرار في مبيعات الشركة، فأجاب بأن عدد العاملين في الشركة 24 ألف موظف، منهم ستة آلاف سعودي، و18 ألفاً غير سعودي، وأن القرار يكلفهم نحو 29 مليون ريال سنوياً، بنسبة لا تتجاوز 0.035 في المائة من المبيعات السنوية، مضيفاً أن القرار يضر الشركات الأقل إنتاجاً، وليس الأكثر كفاءة، وسياق هذا المثال للتدليل على أنه ليس كل القطاعات متضررة، وأن القرار ليس كما يُصور بالمجحف للجميع.
وطالما أن وزارة العمل ستحول قيمة الرسوم هذه إلى صندوق الموارد البشرية، فلا أقل من رفع الحد الأقصى من دعم الصندوق لرواتب التوظيف إلى ثلاثة آلاف ريال بدلاً من ألفي ريال، مع تمديد مدة الدعم من 21 شهراً إلى ثلاث سنوات، بهذه الحالة يمكن القول إن ستة آلاف ريال شهرياً تعتبر مناسبة جداً في ظل الظروف الحالية للشباب العاطلين عن العمل، وتثبت الوزارة أن القرار ليس ''جباية'' كما وصفه أحد رجال الأعمال.
بقي أن أشير إلى عدم منطقية ربط الوطنية بتقبل قرارات اقتصادية بحتة من عدمه، ولا أظن من المعقول المزايدة على وطنية رجال الأعمال كلما علا صوتهم أو رفضوا قراراً، وفي الوقت نفسه ليس من المناسب تهديد رجال أعمال بنقل نشاطهم للخارج، فهذه الأسطوانة المشروخة فقدت طعمها، من يريد أن يرحل باستثماراته للخارج فليفعلها، فلا أحد يمنعه من ذلك، إنه قرار استثماري بحت، وهو حق مشروع لأي منهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي