المتقاعدون ثروة بشرية فلنحسن استغلالها

تجاذبت أطراف حديث ذي شجون مع الفريق طيار متقاعد عبد العزيز محمد الهنيدي، رئيس اللجنة الوطنية للمتقاعدين، تمحور لب نقاشه حول أوضاع المتقاعدين في المملكة ذكوراً وإناثاً ونظرتهم إلى أنفسهم ونظرة المجتمع إليهم، وكيف يمكن للجمعية الوطنية للمتقاعدين أن تنهض وتزدهر أعمالها في سبيل الارتقاء بأوضاع المتقاعدين في المملكة.
في بداية الحديث عرفني الفريق الهنيدي بنشأة الجمعية، وأوضح لي أبرز الأهداف التي أنشئت من أجلها، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، 1- تحسين وتطوير أوضاع المتقاعدين المالية والصحية والمعنوية والترفيهية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية بالشكل الذي يسهم بفاعلية في إسعادهم والمحافظة على كرامتهم. 2- السعي حثيثاً لدى الجهات الحكومية والأهلية للاستفادة من مهارات وخبرات المتقاعدين. 3- توفير فرص التأهيل والتدريب والخدمات الاستشارية والدراسات في مختلف المجالات التي تعمل على تطوير وتوظيف خبرات ومهارات المتقاعدين.
دون أدنى شك أن الأهداف الموضوعة للجمعية، والتي بنيت في الأساس عليها تأسيس الجمعية الوطنية للمتقاعدين نبيلة وسامية، كونها تركز بشكل كبير على تعزيز دور المتقاعدين (ذكوراً وإناثاً) في التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها المملكة، رغم أنه قد تقاعدوا عن العمل، لا سيما أن المتقاعدين يمتلكون خبرات متراكمة طويلة جداً في مجالات علمية وعملية متعددة، يمكن الاستفادة منها في أوجه تنموية عديدة. ولكن ووفقما أشار الفريق الهنيدي، حتى يتسنى لتلك الأهداف أن تتحقق وفقما هو مرسوم ومخطط لها، لا بد أن تتكاتف جهود جميع أفراد المجتمع في تحقيق ذلك المطلب بما في ذلك المتقاعدون، بمعنى آخر أدق وأوضح أن تحقيق أهداف الجمعية وبلوغها رسالتها يتطلب توفير الدعم المعنوي والمادي من قبل جميع الجهات المعنية بالأمر في القطاعين العام والخاص على حد سواء، حيث إن الجمعية لديها العديد من البرامج التي تعتقد أن في حال تنفيذها سيكون لها مردود معنوي كبير على المتقاعدين وستوفر لهم سبل عيش كريم، إلا أن وقوف العائق المادي أمامها كحجر عثرة، يعوق قيام تلك البرامج وتفعيلها وجعلها واقعا ملموسا على الأرض للمتقاعد.
إن الارتقاء بأعمال الجمعية الوطنية للمتقاعدين يتطلب في البداية تأسيس مفهوم ومصطلح واضح علمي وعملي للمتقاعد في المجتمع، يمكن من خلاله تغيير الصورة الذهنية السلبية المطبوعة لدى معظم أفراد المجتمع بمن فيهم المتقاعدون أنفسهم عن المتقاعد، على أنه إنسان قد انتهت حياته العملية وأصبح يعيش في الحياة بلا جدوى اقتصادية واجتماعية للمجتمع وينحصر وضعه في التقوقع والتشكي والانطواء على النفس أو في ضياع ما تبقى من عمره في أمور لا تعود عليه ولا على مجتمعه بالفائدة المرجوة، وكما هو حاصل في بعض المجتمعات، مثل ارتياد المقاهي ولعب الورق وتدخين النارجيلة أو الشيشة، ليصل به الأمر لينطبق عليه قول القائل "مُت قاعداً".
من هذا المنطلق لا بد أولاً وقبل أي شيء تغيير الصورة الذهنية السلبية والنمطية عن المتقاعد لدى أفراد المجتمع لتصبح أكثر إيجابية، بحيث تكون مرحلة التقاعد انطلاقة لمرحلة جديدة في حياة الإنسان للقيام بأعمال محببة على نفس المتقاعد كانت تمنعه ظروف وارتباطات الوظيفة من القيام بها، نتيجة ضغوط الدوام الوظيفي وضغط العمل والتعامل مع أعباء العمل ومسؤولياته الثقيلة. كما أن ذلك لا يمنع أن يسهم المتقاعد في خدمة مجتمعه في المجالات الفكرية والاجتماعية بما في ذلك العملية، التي يجد فيها المتقاعد متعة وقدرة على العطاء والتميز والإبداع، حتى إن كان ذلك يتم بشكل تطوعي وبالمجان، طالما أن في ذلك منفعة للمتقاعد ولمجتمعه على حد سواء.
وعلى الصعيد العام لا بد من إعادة النظر في نظام التقاعد في المملكة، بحيث يتم إخضاع النظام لشيء من التطوير والتحديث الذي يكفل للمتقاعد تأمين حياة كريمة، بحيث يكافئ النظام المتقاعد على ما قدم خلال حياته ومشواره العملي من جهود كبيرة أسهمت بفاعلية في بناء الوطن والمجتمع على حد سواء.
أشار الكاتب أحمد هاشم في مقال له بعنوان "أبشر أيها المتقاعد بخط الفقر"، الذي نشر بصحيفة الشرق بالعدد 312، أن المؤسسة العامة للتقاعد في المملكة، تعد المؤسسة الوحيدة في العالم التي تنفرد بأقصر عمر مطبق لتقاعد الموظف (60 سنة)، كما أن نظام التقاعد السعودي مقارنة بأنظمة التقاعد في الدول الخليجية، يعد الأعلى من حيث الحسميات من الموظفين (9 في المائة) من الراتب الأساسي ومن أطولها في سنوات الخدمة (40 سنة) للحصول على الراتب كاملاً، الأمر الذي ترتبت عليه معاناة أكثر من 50 في المائة من المتقاعدين لمشكلات مالية بسبب الفرق الشاسع بين الراتب قبل التقاعد وبعد التقاعد، وعدم امتلاك نحو 63 في المائة من المتقاعدين مساكن خاصة بهم، إضافة إلى أن وفاة المتقاعد تضاعف حجم المشكلات والصعوبات المالية التي تتعرض لها الأسرة بسبب انخفاض الراتب التقاعدي.
ولتحسين الحياة المعيشية للمتقاعد، فإن الأمر يتطلب من الدولة تأمين حياة كريمة للمتقاعد خلال مرحلة الشيخوخة، بتوفير برنامج تأمين صحي يحقق للمتقاعد هذا المطلب، كما أن الأمر يتطلب إشراك المتقاعدين ودعواتهم للمشاركة في المناسبات الرسمية والوطنية بزيهم الرسمي (في حالة العسكريين)، حتى يشعروا بأنهم ما زالوا جزءا من هذا الوطن الغالي، وأن الوطن ما زال يقدر لهم جهودهم رغم أنهم قد تقاعدوا عن العمل.
أخيراً مطلوب من الجمعية إعداد برامج ومبادرات واضحة الرؤية والمعالم تساعد على تحسين الحياة المعيشية للمتقاعدين وتعزز مشاركتهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها المملكة، وتقديمها جهات متعددة في القطاع الخاص لتمويلها، كما أن الأمر يتطلب من الجمعية البحث عن مصادر تمويل دائمة ومستمرة لتمويل احتياجات الجمعية التشغيلية وبرامجها ومبادراتها المرتبطة بتنمية المتقاعدين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي