الاعتدال والوسطية .. المنهج الراسخ للمملكة

بكلمات مختصرة غاية في الدقة والبيان لخص ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - منهج هذه البلاد في الاعتدال والوسطية والبُعد عن الغلو والتطرف والتفريط، وهو النهج الإسلامي الذي علمنا إياه نبينا الأكرم محمد - عليه أفضل الصلاة والسلام - وهو النهج الأصيل والطريق الوسط والحكمة بعينها التي سار عليها السلف الصالح واعتمدها مؤسِّس هذه البلاد الملك الموحد عبد العزيز بن عبد الرحمن - رحمه الله - الذي اتخذ من الوسطية والاعتدال منهجاً ترسمه سياسة له في جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية وجعله راسخاً حتى مع مَن خالفوه الرأي ولم يحسنوا قراءة المستقبل الذي رسمه عبد العزيز وأحسن في رسمه وجعله واقعاً يعيشه المجتمع السعودي في دولة نهجها الاعتدال والوسطية.
نعم لقد اختار عبد العزيز الاعتدال وعلّمه لأبنائه ورجاله، ولم يتوان في التعامل مع خصومه من منطلق وسط يُبقي الباب مفتوحاً لمَن أراد أن يختار طرق الوحدة، ولمَن فهم أن الجزيرة العربية آن لها أن تكون دولة واحدة تحمي مقدسات المسلمين وتمنع حدودها وخيراتها من طموح المستعمر، وذلك في وقت كان العالم العربي فيه يعيش تحت سلطات الاحتلال والانتداب، وفي وقت تشتت فيه العرب كما لم يكونوا من قبل، فقد تسابقت دول استعمارية إلى كل شبر في الوطن العربي أعقاب الحرب العالمية الأولى لتجد تلك الدول أن الملك المؤسِّس أوجد كياناً سياسياً لا بد من الاعتراف به والتعامل معه كما يجب وبحجم قوته وتأثيره في قلب العالمين العربي والإسلامي.
إن ولي العهد - حفظه الله - يلخص لهذا الجيل تاريخاً من الرؤية الصائبة لوالده، الذي تعامل مع تلك الأحداث الجسام، فقد وقف موقف الحياد في تلك الصراعات الدولية، التي أفنت كثيراً من الرجال، وأهلكت بلاداً كانت طرفاً فيها، فجنب الجزيرة العربية مخاطر جمة وكوارث محدقة كان من الممكن أن ينزلق فيها من ليس له علم بخبايا الصراعات الاستعمارية، بل إنه لم يعتمد على قوة طرف ضد آخر ونأى بحُسن إدارته عن التورُّط في أزمات ليس للبلاد مصلحة فيها، كما لم يشغله عن مصلحة شعبه إعادة ما يجري دولياً من إعادة ترتيب خريطة العالم، فكان جل همه استمرار تدفق المؤن الغذائية إلى موانئ المملكة وعدم انقطاع طرق الحج وتواصل عملية بناء مرافق الدولة في كل الميادين الدفاعية والأمنية والاقتصادية.
لقد أوضح ولي العهد - حفظه الله - أن الاعتدال ليس شعاراً براقاً أو كلمة تُقال بلا مضمون نبيل، بل إن الاعتدال منهج شامل يتسع لجميع شؤون الحياة، ونحن اليوم بأمس الحاجة إليه، لأننا نعيش في خضم التحولات والتيارات والمحاولات المتعددة لتغيير المفاهيم وتشويه الحقائق والتأثير في الآخرين باستخدام معلومات ظاهرها مغر وباطنها غير صحيح ولا ينشد المصلحة للناس، وكم نحن في حاجة إلى تطبيق الاعتدال الحقيقي منهجاً وسلوكاً وثقافة والتزاماً في رؤيتنا للأشياء والحكم عليها وعدم تغليب الانفعال والاستعجال.
ولأن هذه البلاد اتخذت من القرآن الكريم وسنة النبي - عليه أفضل الصلاة والسلام - دستوراً ومنهجاً، فقد حفظ الله لها وحدتها، وجمع لها كلمتها، ووفق قادتها إلى كل خير وجنبها شرور التطرف والغلو، كما جنبها عواقب التفريط والإهمال، فسارت على خطى ثابتة لم تعرف الميل والانحراف عن النهج الصحيح، الذي يخدم مصلحة الأمة، في حين رأينا ولا نزال نرى ما يجري حولنا من تغيرات حادة في الأوضاع السياسية بسبب أيديولوجيات انخدع بها البعض، وظنوا فيها التقدم والازدهار فكانت عواقبها وخيمة. إن كلمة ولي العهد رسالة واضحة ومعتدلة في زمن تتقاذف من حولنا أفكار غريبة عن ديننا وقيمنا، وإن مجتمعنا السعودي بمنهجه الثابت والمعتدل هو الأكثر استقرارا،ً لأن الوسطية والاعتدال أصبحت جزءاً من شخصيتنا وثقافتنا الوطنية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي