ماذا بعد الأهداف الإنمائية للألفية؟
في عام 2000 تبنت 189 دولة بشكل جماعي إعلان الأمم المتحدة للألفية، الذي تطور إلى مجموعة من الأهداف الملموسة التي أطلق عليها مُسمى الأهداف الإنمائية للألفية. ومن المفترض أن يتم تحقيق هذه الأهداف الطموحة ــ التي تراوح بين تقليص الفقر المدقع إلى النصف وخفض الوفيات بين الأمهات بنسبة 75 في المائة إلى نشر التعليم الابتدائي الشامل ووقف (والبدء في عكس) انتشار فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز ــ بحول نهاية عام 2015. ومع اقتراب الموعد النهائي، يناقش خبراء التنمية قضية جديدة: ماذا بعد ذلك؟
يكاد يكون من المؤكد أن العديد من الأهداف الإنمائية للألفية لن تتحقق بحلول نهاية عام 2015، ولكن بعض المجالات شهدت نجاحاً مذهلا. على سبيل المثال، من المرجح أن يتحقق هدف تقليص الفقر المدقع (قياساً على عدد السكان الذي يعيشون على أقل من دولار وربع يوميا) قبل الموعد المحدد، وذلك بفضل النمو الهائل في الصين.
ومن ناحية أخرى، هناك القليل من الأدلة التي تشير إلى أن هذه النجاحات جاءت نتيجة الأهداف الإنمائية للألفية في حد ذاتها. فقد نفذت الصين السياسات التي هندست بها أعظم برنامج في التاريخ للقضاء على الفقر، قبل إعلان الألفية والأهداف الإنمائية للألفية وبشكل مستقل عنها.
ولكن من الواضح رغم ذلك أن الأهداف الإنمائية للألفية كانت بمثابة انتصار للعلاقات العامة، وهو ما لا يقلل من إسهامها. فمثلها كمثل كل جهود العلاقات العامة الجديرة بالاهتمام، خدمت الأهداف الإنمائية للألفية كوسيلة لرفع مستوى الوعي، وإثارة الاهتمام، وحشد الجهود ــ وكل هذا لسبب وجيه.
ولعل الأثر الأكثر وضوحاً الذي خلفته الأهداف الإنمائية للألفية كان على تدفقات المعونة من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة. وتشير دراسة أجراها تشارلز كيني وآندي سومنر لصالح مركز التنمية العالمية في واشنطن العاصمة إلى أن الأهداف الإنمائية للألفية لم تعمل على تعزيز تدفقات المعونة فحسب، بل إنها أعادت توجيهها نحو الدول الأصغر حجماً والأكثر فقراً، ونحو مجالات مستهدفة مثل التعليم والصحة العامة. ولكن المساعدات لم تكن مرتبطة بشكل مباشر بالأداء والنتائج، ومن الأصعب كثيراً أن نعرف ما إذا كانت قد خلفت التأثير المرغوب في الإجمال.
تشمل الأهداف الإنمائية للألفية ثمانية مقاصد عامة، و21 هدفا، و60 مؤشرا. والواقع أن قدراً كبيراً من الانتقاد كان يركز على استخدام هذه الأهداف والمؤشرات الرقمية التي يزعم المتشككون أنها سيئة التحديد ورديئة القياس، وتتسبب في تحويل الانتباه بعيداً عن مجالات على نفس القدر من الأهمية. ولكن هذه الانتقادات تغفل عن حقيقة جوهرية. إن أي جهد ملموس وقابل للتنفيذ ينبغي له أن يراقب النتائج، وتحديد أهداف رقمية واضحة يعد الوسيلة الأفضل للقيام بهذا.
ولكن هناك مع هذا مفارقة جوهرية تبتلي الأهداف الإنمائية للألفية. فقد كان المقصود من إعلان الألفية أن تكون بمثابة الاتفاق بين دول العالم الغنية والفقيرة. فقد وعدت الدول الفقيرة بإعادة تركيز جهودها التنموية في حين تعهدت الدول الغنية بدعمها بالتمويل والتكنولوجيا وتمكينها من الوصول إلى أسواقها.
وحتى هنا، لا تشتمل الأهداف الإنمائية للألفية على أهداف رقمية للمساعدات المالية أو أي جانب آخر من المساعدات التي تقدمها الدول الغنية، على النقيض من الأهداف المحددة المرتبطة بالفقر والموضوعة للدول النامية.
ولكن من غير الواضح لماذا نحتاج إلى جهد عالمي لإقناع البلدان النامية بالقيام بما هو في صالحها؟ إذ ينبغي لأهداف مثل الحد من الفقر والتنمية البشرية أن تكون على رأس أولويات الحكومات في هذه البلدان، بصرف النظر عن الأهداف الإنمائية للألفية.
وينبغي للقائمة القصيرة لمثل هذه السياسات أن تتضمن: فرض ضرائب على الكربون وغير ذلك من التدابير الرامية إلى تخفيف التأثيرات المترتبة على تغير المناخ؛ وإصدار المزيد من تأشيرات العمل للسماح بتدفقات الهجرة المؤقتة بأعداد أكبر من الدول الفقيرة؛ وفرض ضوابط صارمة على مبيعات الأسلحة إلى الدول النامية؛ وتقليص الدعم المقدم إلى الأنظمة القمعية؛ وتحسين عملية تبادل المعلومات المالية من أجل الحد من عمليات غسل الأموال والتهرب الضريبي.
ومن الملاحظ هنا أن أغلب هذه التدابير تهدف في واقع الأمر إلى الحد من الأضرار ــ على سبيل المثال تغير المناخ، والنزاعات العسكرية، والجرائم المالية ــ الناشئة عن سلوك الدول الغنية. ولا تقل أهمية مبدأ ''لا ضرر ولا ضرار'' هنا عن أهميته في الطب.
لن يكون هذا النوع من إعادة التوجيه سهلاً يسيرا. فمن المؤكد أن الدول المتقدمة ستقاوم أي التزامات جديدة. ولكن أغلب هذه التدابير لا تكلف مالا، وكما أظهرت الأهداف الإنمائية للألفية، فإن تحديد الأهداف من الممكن أن يخدم كوسيلة لحشد الجهود من جانب حكومات الدول الغنية. وإذا كان للمجتمع الدولي أن يستثمر في مبادرة علاقات عامة جديدة جريئة، فربما كان من الواجب عليه أيضاً أن يركز على المجالات التي تبلغ فيها النتائج الإيجابية المحتملة أعظم مستوياتها.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2012.