أخلاقيات مهنة التعليم وإساءة استخدام التقنية
مهنة التعليم، هذه المهنة العظيمة، هي وظيفة الأنبياء والمرسلين والنبلاء وصفوة المجتمع. التعليم رسالة عظيمة وعبء كبير، ليس فقط في نقل المعرفة من جيل إلى آخر، بل في نقل السلوك والأخلاق والأدب وحب المعرفة وأسلوب التفكير والإبداع واحترام العلم ومجلس العلم. فالمعلم هو مجموعة ومنظومة من المعارف والأخلاق تعتبر الأكثر تأثيرا في الأجيال، فبنظام التعليم المعاصر نجد أن الأجيال يقضون أهم وأكثر أوقاتهم مع المعلم، فهو مصدر المعرفة الموثوق لدى الجيل الذي أصبح تأثيره يفوق الوالدين في بعض جوانب الحياة. وكم لمعلمينا من أثر كبير في كثير من جوانب حياتنا، وكلماتهم وتوجيهاتهم ما زال لها الأثر الكبير في حياتنا، وما زلنا نتذكر منها الكثير.
من الملاحظ وبعد شيوع استخدام التقنية من خلال الجوال ومواقع التواصل الاجتماعي، والإنترنت بشكل عام، وتطبيقات الأجهزة الذكية تمارس فئة محدودة جدا من المعلمين التصوير لمقاطع فيديو للطلاب في المدرسة يتم فيها نوع من السخرية من الطلاب، وتسجيل مقاطع بغرض نشرها في الشبكة العنكبوتية العالمية ليشاهدها الآلاف، بل قد يصل إلى الملايين، ومع وجود وسائل الاتصال الحديثة وتطبيقات التواصل أصبحت هذه المقاطع وخلال فترة وجيزة تنتشر بين الكثير من مستخدمي هذه التقنيات في مختلف دول العالم، في كسر صارخ لأبسط مبادئ أخلاقيات مهنة التعليم العظيمة التي تعتبر أمانة في عنق كل معلم. هذه المقاطع التي تنتشر بشكل واسع بين المجتمع – وإن كانت من فئة قليلة جدا - لها آثار سلبية كبيرة منها:
أنها تسيء للطالب باستغلاله بصورة سلبية، الذي ينعكس بالتالي على أسرته، خصوصا والديه، بعد أن وضعا هذه الأمانة، وهي أثمن ما يملك في عنق هذا المعلم، وهذا يؤدي إلى أن تهز ثقتة الطالب بنفسه، وشعوره أحيانا بالنقص، وتؤثر فيه اجتماعيا بين معارفه وزملائه، خاصة إذا ما انتشر مثل هذا المقطع بشكل واسع.
إنها تؤدي إلى اهتزاز ثقة المجتمع بالمعلم وبالمؤسسة التعليمية، وهذا له انعكاسات مستقبلية سلبية عندما لا يثق المجتمع بالمعلم، حتى إن كانت هذه الممارسة من فئة قليلة جدا بين عدد كبير من المعلمين في المجتمع.
إنها قد تؤدي بأولياء الأمور إلى ردة فعل قد تسيء إلى المعلم والمدرسة، وتضعف هيبته في المجتمع، وقد تصل ردة الفعل هذه إلى العنف، خصوصا إذا شعر ولي الأمر أنه لا عقوبة قد تطول هذا المعلم.
إن مثل هذا السلوك فيه كسر لأبسط مبادئ أخلاق المهنة التي تتطلب احترام حقوق ومشاعر الآخرين وخصوصياتهم.
إنها تؤثر في العملية التعليمية التي تتطلب جدية والتزاما، وليست السخرية والتندر بالطلاب.
وعلى كل حال من منا يرضى بأن يظهر ابنه في مقطع فيديو ينشر على الملأ في مشهد يبعث على السخرية والتندر؟ وكيف سيكون حال هذا الطالب عندما يقابل زملاءه وأقاربه وهم يسخرون منه؟ وأي تعليم يرجى من معلم ليس لديه أدنى شعور بالمسؤولية أو أي احترام لأبنائنا الطلاب؟ وقد ينتاب أولياء الأمور شعور بأن ما في هذا المقطع القصير ليس أسوأ ما يحصل لفترة طويلة بشكل يومي.
قد يكون في بعض الحالات من المناسب تصوير بعض الأنشطة لأهداف تعليمية، لكن ينبغي أن يكون ذلك من خلال موافقة من إدارة المدرسة وإطلاع أولياء الأمور على ذلك.
لذلك من المهم أن تكون للمؤسسة التعليمية للتعليم العام والتعليم العالي مدونة أخلاق تتضمن أخلاقيات العمل في مهنة التعليم، وتشمل حقوق وواجبات ومسؤوليات المعلم، وتوضيح للسلوكيات التي تتناقض مع مهنة التعليم، وأي عمل يمارسه أي معلم مخالف لهذه المدونة تترتب عليه عقوبات يمكن أن تبدأ من منعه من مزاولة مهنة التعليم لمدة معينة، أو تتخذ في حقه إجراءات قانونية من خلال المؤسسات القضائية في المملكة. كما يسبق ذلك نشر الوعي بتفاصيل هذه المدونة، بما يشمل ما استجد من استخدام التقنية في هذه الإساءة، وإبراز كيف أنه هذا السلوك قد يسيء ويشوه صورة التعليم في المملكة، إضافة إلى أنه يسيء إلى السواد الأعظم من المعلمين القدوات لأبنائنا، الذين يبذلون جهدا كبيرا لتعليم أبنائنا ولبناء جيل فاعل في المجتمع.
لا ننسى أيضا ممارسة بعض الطلاب تصوير مقاطع للإساءة بالمعلم، حيث ينبغي أن تتخذ فيه إجراءات وعقوبات لعدم الإساءة للمعلم ومهنة التعليم، فالطالب إذا لم يحترم معلمه فلن يكتسب منه علما ولا خلقا أو سلوكا.
الخلاصة أن مهنة التعليم عظيمة والثقة بالمعلم لا يعني أن يستغلها البعض ليصور مقاطع للطلاب بغرض السخرية والتندر وينشرها في الإنترنت، ما يستدعي تدوين أخلاقيات للتعليم والتعريف بها، ومحاسبة من يخالف بسحب رخصة مزاولة مهنة التعليم منه بشكل مؤقت أو دائم.