ثمانية عقود من الاقتصاد
تستقبل المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً في كل عام، وبالتحديد في اليوم الأول من الميزان يومها الوطني، الذي يحمل في طياته وبين ثناياه العديد من الإنجازات الحضارية الاقتصادية والاجتماعية العملاقة، التي تحققت على مدى العقود الماضية، منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ــ طيب الله ثراه ــ، الذي أسس لبناء قاعدة اقتصادية متينة وصلبة في المملكة، اتسمت وحتى يومنا هذا بالتوازن والشمولية.
خلال مسيرة البناء والتنمية وعلى مدى خطط التنمية الخمسية، حققت السعودية قفزات تنموية سريعة ونهضة حضارية شاملة، نقلتها من مرحلة الاقتصاد البدائي والبسيط (قبل اكتشاف النفط)، إلى مرحلة البناء والإنماء السريع، والتي تم خلالها تنفيذ العديد من مشاريع البنية التحتية والفوقية، والتي اشتملت على شبكة طرق وموانئ ومطارات ومرافق عامة وخدمات أخرى متطورة، ساعدت المملكة على بناء قاعدة اقتصادية قوية، أسهمت بفاعلية في تنويع مصادر الدخل القومي، وتخفيف الاعتماد على النفط بقدر الإمكان كمصدر رئيس للإيرادات العامة للدولة.
المسيرة التنموية للمملكة، والتي امتدت على مدى العقود الماضية، عززت من قدرات المملكة الإنتاجية، مما انعكس بشكل إيجابي على الناتج المحلي الإجمالي الذي تضاعف حجمه عدة مرات منذ خطة التنمية الأولى التي صدرت في عام 1970 (أي قبل 40 عاما) لتتجاوز قيمته بالأسعار الجارية بنهاية النصف الأول من العام الجاري، مبلغ 1.2 تريليون ريال وبنسبة نمو بلغت أكثر من 11 في المائة مقارنة بما كان عليه في النصف الأول من العام الماضي. كما بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بنهاية آب (أغسطس) من العام الجاري 7.1 في المائة، محققاً بذلك نسبة نمو مرتفعة للغاية، وبالذات حين النظر إلى ما حل بالاقتصاد العالمي من أزمات مالية متتالية منذ منتصف عام 2008 وحتى الوقت الراهن، والتي تسببت في حدوث تراجعات ملحوظة في أداء عدد من اقتصادات دول العالم المتقدم، وفي نمو الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول.
مسيرة البناء والنهضة لم تتوقف عند الاقتصاد السعودي فحسب، بل شملت مجالات أخرى عديدة من مناحي الحياة، التي أتت على رأسها وفي مقدمتها، التعليم والتدريب بشقيه العام والعالي، والصحة، والطرق، والخدمات الاجتماعية، بما في ذلك صناديق التنمية المتخصصة وبرامج التمويل الحكومية، التي أسهمت بفاعلية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها المملكة، من خلال تقديم القروض في المجالات الصناعية والزراعية وغيرها، والتي أسهمت بدورها في تعزيز مكتسبات ومقدرات تلك القطاعات وفي توفير فرص وظيفية إضافية للمواطنين وفي دفع عجلة النمو الاقتصادي في المملكة.
من بين الإنجازات المبهرة للمالية العامة للدولة، قدرتها على التحكم في مستويات الدين العام، الذي وصل في مرحلة ماضية إلى مستويات غير مقبولة اقتصادية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي للدولة، إلا أن تبني الدولة لسياسة حكيمة ومتزنة استهدفت خفض قيمة الدين العام، أسهمت بفاعلية في وضع قيمة الدين في مستويات منخفضة للغاية أقل من 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، رغم أن الدين محلي، ولا يحتوي على مصادر دين خارجية، الأمر الذي سيمكن الدولة من إعادة استثمار المبالغ التي كانت تدفع على خدمة الدين وتوجيهها إلى مجالات تنموية واقتصادية وحضارية متعددة تعود بشمولية الفائدة والنفع على المواطن.
وفي مجال اقتصادي وتنموي آخر، فقد حققت المملكة في مجال التجارة سواء تجارة الصادرات أو الواردات، تقدماً ملحوظاً وملموساً، حيث تحولت التجارة في هذه البلاد من تجارة محدودة موسمية (تعتمد بشكل كبير على موسم الحج) إلى تجارة تقوم على أسس اقتصادية ثابتة، الأمر الذي يؤكده نمو الصادرات بشكل مطرد خلال خطط التنمية الخمسية الماضية، حيث كانت قيمتها في عام 1390ـ1391هـ 1970 نحو 10.9 مليار ريال، وقفزت قيمتها إلى مضاعفات ذلك الرقم لتصل إلى نحو 1,367,620 مليون ريال في عام 2011م بالأسعار الجارية، بنسبة نمو بلغت 45 في المائة مقارنة بالعام الذي سبقه، مما يؤكد على حقيقة وجدية تحول المملكة من دولة مستوردة لمعظم احتياجاتها إلى دولة مكتفية ذاتيا، بل و مصدرة للفائض عن ذلك الاحتياج في بعض السلع والمنتجات.
ومسيرة التنمية تتواصل بعد وفاة الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن، المليئة بالإنجازات الحضارية والتنموية المبهرة، حيث تحمل أبناؤه البررة المسؤولية من بعده في مسيرة العطاء والنماء وتدعيم بنيان الدولة مسترشدين بمنهاج الشريعة الإسلامية وملتزمين بها كنظام للحكم ثم بالنهج الاقتصادي والتنموي الحضاري والاجتماعي، الذي رسم طريقه وخطاه العريضة الوالد المؤسس.
واليوم يشهد عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ــ يحفظه الله ــ امتدادا طبيعياً لتلك الإنجازات الحضارية، ولكن ضمن إطار ورؤى اقتصادية وتنموية غير مسبوقة شهد لها القاصي والداني، والتي مكنت المملكة من أن تتبوأ اليوم مكانة اقتصادية مرموقة على مستوى العالم، وأصبحت المملكة اليوم من بين أقوى 20 اقتصاداً على مستوى العالم، وعضواً فاعلاً في مجموعة دول العشرين، وفي العديد من المنظمات الدولية الاقتصادية والتجارية المرموقة مثل منظمة التجارة العالمية WTO، والتي انضمت إليها المملكة في أواخر عام 2005.
خلاصة القول، إن المملكة وشعبها تستقبل في كل عام يوماً وطنياً جديداً، يسجل بحروف من ذهب في تاريخ المملكة المعاصر إنجازات اقتصادية وحضارية مبهرة، حققت للمملكة ولاقتصادها ولشعبها الرخاء الاقتصادي والرفاه الاجتماعي، الذي تنشده الدولة للمواطنين، في بيئة اقتصادية تنعم بالأمن والأمان والتفاف الشعب حول القيادة، ووحدة الكلمة والصف.