حتى تبقى الأماكن المقدسة كما يليق بها
يأتي وضع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -ـ يحفظه الله - حجر أساس مشروع التوسعة الأخيرة للمسجد الحرام على مساحة تقدر بـ 400 ألف متر مربع وبعمق 380 مترا وبتكلفة إجمالية تبلغ 80 مليار ريال، ضمن سلسلة من المشاريع العملاقة، التي طالت توسعة الحرمين الشريفين (الحرم المكي في مكة المكرمة، والحرم النبوي في المدينة المنورة) والأماكن المقدسة الأخرى المحيطة بهما، وذلك بغرض الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن والمعتمرين، وتمكينهم من تأدية مناسكهم بيسر وسهولة، وكذلك ضمان تسهيل حركة تنقل الحجاج والمعتمرين وزوار الحرمين الشريفين بين الأماكن المقدسة المختلفة، بأسلوب يكفل الانسيابية التامة للحجاج والمعتمرين، ويعمل في الوقت نفسه على القضاء على حالات التزاحم، التي تحدث في العادة في مثل هذه المناسبات والأماكن، التي يحتشد فيها أعداد كبيرة من الناس في وقت واحد.
يذكر أن الحكومة السعودية، تنفق في كل عام مليارات الريالات على تطوير الطاقة الاستيعابية للأماكن المقدسة، دون النظر إلى تحقيق مردود اقتصادي أو استثماري للدولة، حيث إن الهدف الوحيد من ذلك الإنفاق، هو وكما أسلفت خدمة ضيوف الرحمن والمعتمرين والزوار للحرمين الشريفين والأماكن المقدسة.
رغم إنفاق الدولة السخي على الأماكن المقدسة المتواجدة في المملكة، إلا أن الحاجة لا تزال ملحة للقائمين على إدارتها، إلى بذل المزيد من الجهود المرتبطة بتنظيم حركة التنقل منها وإليها، وبالذات عند مداخل الأماكن المقدسة. لعلي أضرب مثلاً في هذا الخصوص بموقف الرصيفة، الذي يقع عند مدخل مكة المكرمة، وخصصته شرطة العاصمة المقدسة لحجز السيارات خلال فترة المواسم (شهر رمضان المبارك وشهر الحج). هذا الموقف وللأسف الشديد لا يعكس بأي حال من الأحوال، الصورة الحضارية للأماكن المقدسة في المملكة، التي خططت ورسمت لها الدولة وطبعتها في أذهان الناس، لكونه يبدو لمرتاديه من أصحاب المركبات الراغبين في إيقاف مركباتهم، قديماً ومهملاً، ويفتقد للحد الأدنى من متطلبات السلامة ولأبسط تقنيات العصر التي عادة ما تتوافر بالمواقف المخصصة لوقوف المركبات في دول العالم المتقدم.
الكاتبة نجاة محمد سعيد الصائغ، أوضحت في مقال لها بعنوان: ''سرقة سيارات موقف الرصيفة مسؤولية من؟'' الذي نشر في صحيفة ''الندوة'' في العدد 1388، أن موقف الرصيفة خلال العام يكون مرتعاً للصوص السيارات، وأن كل من أوقف سيارته في هذه المواقف خلال العام لا بد أن يجد زجاجها مكسوراً وسرق منها كل ما يمكن حمله من حاجيات يتركها المعتمرون في سياراتهم، وتساءلت الكاتبة في مقالها على من تقع مسؤولية حراسة هذا المكان، حتى وإن لم تكن هناك سيارات، حيث إن عدم وجود عين متابعة وحارسة له قد يؤدي ذلك إلى ظهور مشكلات أكبر من سرقة السيارات.
الكاتبة عالية الشلهوب أوضحت في مقال نشر لها في صحيفة ''الرياض'' في العدد 16121 بعنوان: ''فلنحمِ الحرم المكي من هذه السلبيات''، أنه وعلى الرغم من كل ما تحقق من إنجاز في مكة المكرمة على وجه العموم وفي الحرم المكي على وجه الخصوص، والذي يفخر به الجميع، إلا أنه لا تزال هناك العديد من السلبيات التي يجب معالجتها، والتي لعل من أهمها تدني مستوى وعي الكثير من الزوار وقلة ثقافتهم في التعامل مع بيت الله الحرام من افتعال الازدحام والتدافع والجلوس في الممرات واحتجاز الأماكن والافتراش داخل ساحات الحرم والنوم والأكل، الأمر الذي يوحي وكأن هيبة الحرم قد راحت مع شريحة كبيرة من الزوار وللأسف الشديد.
من بين السلبيات التي لامستها وشاهدتها بنفسي خلال أدائي للعمرة في شهر رمضان الماضي، إلى جانب ظاهرة الافتراش والتدافع والجلوس في الممرات، التي أشارت إليها الكاتبة عالية الشلهوب في مقالها المذكور، عدم انسيابية الحركة وانتظامها داخل منطقة الصحن المحيط بالكعبة المشرفة، ما يتسبب في حدوث حالات من التزاحم والتدافع، وبالذات عند نقطة بداية وانتهاء أشواط الطواف حول الكعبة، نتيجة لتدني وعي الكثير من الزوار وقلة ثقافتهم في التعامل مع بيت الله الحرام. إن القضاء على ظاهرة التدافع والتزاحم داخل الصحن المحيط بالكعبة المشرفة، يتطلب إعادة تنظيم الحركة داخل الصحن، بالشكل الذي يكفل انسيابية الحركة، وعدم التدافع والتزاحم بأن مثلاً يخصص مسار للطائفين ومسار آخر للمنتهين من الطواف ومتجهين نحو المسعى (الصفا والمروة)، حيث لا يلتقي المساران في نقطة واحدة تتسبب في حدوث ذلك الازدحام والتدافع المخيف.
من بين السلبيات كذلك اصطحاب المعتمرين والزائرين للحرم المكي والمسجد النبوي لأغراضهم الشخصية، التي من بينها أحذيتهم، ووضعها في أماكن غير مناسبة، تتسبب في إزعاج المصلين، نتيجة لما تنفثه من روائح كريهة. إن التغلب على هذه المشكلة، يتطلب عدم السماح للمعتمرين والزائرين اصطحاب أي أغراض شخصية، سوى في أضيق الحدود، إضافة إلى عدم السماح لهم باصطحاب أحذيتهم تحت أي ظروف كانت إلى داخل الحرمين الشريفين، وكما هو واقع الحال ومطبق في بعض دول العالم الإسلامي، حيث يحتجز القائمون على إدارة بيوت الله في تلك الدول الأحذية الشخصية عند المدخل، وتسليمها لأصحابها عند الخروج من المسجد وفق نظام وآلية جميلة شاهدتها بنفسي في إحدى الدول الإسلامية.
خلاصة القول، إن التغلب على السلبيات التي نشاهدها ونلمسها في الأماكن المقدسة في السعودية، والتي من بينها الحرمين الشريفين، نتيجة للحشود البشرية من زوارها، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر الازدحام والتدافع وإلى غير ذلك من السلبيات، يتطلب من القائمين على إدارة الأماكن المقدسة، إعادة النظر في تنظيم حركة الزوار، إضافة إلى فرض قوة وهيبة احترام النظام داخل الأماكن المقدسة، بما يحقق الانضباط والالتزام بالسلوكيات الصحيحة. كما أن المسؤولية تقع على عاتق وكلاء الحملات وحكومات الدول الإسلامية وبعثات الحج في الرفع من مستوى وعي المعتمرين والزائرين للأماكن المقدسة، مثل ما تقوم به بعثة الحج الماليزية وبعض الدول المرتبة والمنظمة. إن تنظيم حركة المعتمرين والزوار للأماكن المقدسة في المملكة وضبط سلوكياتهم وتصرفاتهم، سيساعد على التمسك بآداب الحج والعمرة، وعدم إعاقة انسيابية الحركة، حيث يتمكن الزائر والمعتمر من أداء مناسك وشعائر الحج والعمرة في جو مفعم بالطمأنينة والراحة والسهولة واليسر والأمن والأمان، وحيث يعكس ذلك أيضاً الصورة الحضارية الحقيقية للأماكن المقدسة في المملكة التي تنشدها الدولة.