مأساة سورية وضرورة التدخل الدولي الإنساني

مضى نحو 18 شهراً على اندلاع ثورة الشعب السوري ضد النظام البعثي الطائفي المستبد الذي يترأسه بشار الأسد، والمجتمع الدولي ما زال عاجزاً عن اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لوضع حد لمأساة الشعب السوري التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم نتيجة الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها النظام الحاكم لحقوق الإنسان واستمراره في استخدام الأسلحة الثقيلة كالطائرات والدبابات لقمع الثورة الشعبية العارمة. إن المذابح والمجازر العديدة التي ارتكبها النظام ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ومن العار على المجتمع الدولي أن يستمر عاجزاً عن إنهاء هذا المأساة ومحاسبة بشار الأسد وعصابته عما ارتكبوه من جرائم.
إن التدخل الدولي الإنساني في سورية بجميع الوسائل بما في ذلك القوة المسلحة، أصبح أمراً لا مندوحة عنه لأنه السبيل الوحيد لإنهاء مأساة الشعب السوري، والتدخل الدولي للاعتبارات الإنسانية لا يحظره القانون الدولي المعاصر طالما أنه لا يؤدي إلى انتهاك سلامة أراضي الدولة المراد التدخل فيها ولا يهدف إلى احتلال أراضيها أو المساس باستقلالها السياسي، وأن هدفه ينحصر في إنهاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وتوجد سوابق دولية للتدخل الإنساني أذن بها مجلس الأمن الدولي، وأسوق على ذلك مثالاً القرارات التي أصدرها المجلس بشأن استخدام جميع التدابير بما فيها استخدام القوة المسلحة لإنهاء مأساة شعب الصومال ومأساة البوسنة والهرسك.
ومما أطال أمد مأساة سورية وزادها فداحة أن مجلس الأمن أخفق ثلاث مرات في اتخاذ قرار بشأن معالجة هذه المأساة بسبب استخدام روسيا والصين حق النقض (الفيتو)، فاعتبر النظام الحاكم ذلك ترخيصاً له في مواصلة قمع وقتل المدنيين. وطالما أن مجلس الأمن أصبح عاجزاً فإنه يجوز للجمعية العامة للأمم المتحدة أن تقوم بممارسة اختصاصات مجلس الأمن تحت نظام يسمى (قرار الاتحاد من أجل السلام)، وتصدر القرار اللازم لإجازة التدخل الدولي الإنساني. وسبق أن أصدرت الجمعية العامة قرارات اتحاد من أجل السلام لمواجهة أزمات دولية أخفق مجلس الأمن في اتخاذ القرارات اللازمة لمعالجتها، منها أزمة العدوان الثلاثي البريطاني ــ الفرنسي ـــ الإسرائيلي على مصر عام 1956، حيث أخفق مجلس الأمن في إصدار قرار بشأن هذا العدوان بسبب استعمال بريطانيا وفرنسا حق النقض، فعقدت الجمعية العامة اجتماعاً وأصدرت قرار اتحاد من أجل السلام يقضي بوقف العدوان وسحب قوات الدول المعتدية من مصر.
صحيح إن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت بتاريخ 3/8/2012 قراراً، بناء على اقتراح السعودية، تضمن مطالبة السلطات السورية أن تكف عن استخدام الأسلحة الثقيلة ضد المدنيين ومحاسبة المسؤولين عن انتهاكات القوات الحكومية والميليشيات التابعة لها حقوق الإنسان والشروع في عملية انتقال سياسي نحو نظام تعددي ديمقراطي. لكن هذا القرار وإن كان له قيمة معنوية كبيرة إلا أنه غير ملزم لأنه لم يصدر تحت ما يسمى (قرار الاتحاد من أجل السلام). ولذلك فإن على الدول العربية أن تطلب من الجمعية العامة اتخاذ قرار (الاتحاد من أجل السلام) لإنهاء مأساة الشعب السوري. وإذا عجزت الدول العربية عن استصدار هذا القرار من الجمعية العامة فإنه لا مناص من أن تطلب جامعة الدول العربية من الدول الكبرى المعنية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بأن تتدخل في سورية تدخلاً مسلحاً لوقف انتهاكات حقوق الإنسان وإنهاء مأساة الشعب السوري، وتوجد سوابق للتدخل الدولي الإنساني دون موافقة مجلس الأمن، وأسوق على ذلك مثالاً تدخل حلف شمال الأطلسي في كوسوفو لإنقاذ شعبها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها صربيا بعدما عجز مجلس الأمن الدولي عن اتخاذ قرار حاسم في هذا الشأن.
لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، ومن العار على المجتمع الدولي ألا يتدخل بقوة لنصرة الشعب السوري ومساعدته على التحرر من نظام دموي وحشي، يندى جبين الإنسانية من ممارساته البشعة من سجن وتعذيب وقتل واغتصاب وإبادة جماعية وتدمير للمساكن والمرافق الحيوية والمباني الأثرية.
وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن أمير الشعراء أحمد شوقي نشر في عام 1926، قصيدة مكونة من (55) بيتاً بعنوان (نكبة دمشق) مطلعها:
''سلام من صبا بردى أرق
ودمع لا يكفكف يا دمشق''
يصف فيها مشاعره حيال العدوان المسلح التي تعرضت له العاصمة السورية في عهد الاستعمار الفرنسي. وأحسب أن كثيراً مما قاله الشاعر في تلك القصيدة يعبر اليوم عن مشاعر كل عربي ومسلم حيال ما يجرى في سورية والذي يفوق كثيراً ممارسات المستعمرين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي