شركات الاستقدام.. بين تنظيم سوق العمالة المنزلية وتعقيده

استبشر المواطنون خيراً بموافقة الحكومة السعودية على منح تراخيص لشركات أهلية متخصصة في استقدام العمالة المنزلية وأخرى إلى المملكة، ولا سيما أنه يتوقع لتلك الشركات أن تقضي على العديد من المشاكل والتشوهات، التي ظل يعاني منها سوق العمل بشكل عام، وسوق العاملة المنزلية في المملكة بشكل خاص لفترة طويلة من الوقت، والتي انعكست سلباً على العلاقة التعاقدية، التي تربط بين أرباب العمل (الكفلاء) والعمالة، وتسببت في هدر الوقت وضياع الجهد والمال.
من بين أبرز أسباب استبشار المواطنين بتأسيس شركات متخصصة في استقدام العمالة، وبالتحديد العمالة المنزلية للمملكة، أن ذلك النوع من الشركات، يتوقع له أن يحدث نقلة نوعية غير مسبوقة في سوق العمالة المنزلية، نتيجة لإعادة الهيكلة التي ستدخلها على السوق، حيث يصبح السوق أكثر تنظيماً مقارنة بالوضع الراهن، من خلال تنظيم استقدام العمالة المنزلية وفقاً لأسس علمية وفنية، تضمن أن العمالة المستقدمة تتمتع بمؤهلات مهنية عالية، تمكنها من القيام بأداء خدمات منزلية احترافية وفاعلة، وفقاً لأسس وضمن إطار تشريعي وقانوني وتنظيمي، يكفل حماية حقوق الأطراف المتعاقدة.
وبهدف ضمان إيجاد شركات استقدام عمالة منزلية وأخرى، مؤهلة فنياً ومهنياً إلى المملكة، اشترطت اللائحة التنفيذية لتنظيم أعمال شركات استقدام العمالة، أن يكون من بين المؤسسين لشركة الاستقدام خمسة أشخاص على الأقل من مكاتب الاستقدام القائمة حالياً، وألا يقل رأسمال الشركة طالبة الترخيص المدفوع عن 50 مليون ريال في حال الترخيص لها بممارسة نشاطي التوسط في استقدام العمالة وتقديم الخدمات العمالية المنزلية و100 مليون ريال في حال الترخيص لها بممارسة نشاطي التوسط في استقدام العمالة وتقديم الخدمات العمالية المنزلية والعمالة للقطاعين العام والخاص معاً.
خبراء في مجال استقدام العاملة المنزلية يتوقعون أن تسهم الشركات الجديدة مع بدء نشاطها في تحسين نوعية العمالة المستقدمة للسعودية، وفي خفض تكاليف الاستقدام إلى خمسة آلاف ريال (بدون رسوم التأشيرة)، أي ما يعادل نحو 40 في المائة من تكاليفها في الفترة الحالية، ولا سيما أن تكاليف الاستقدام قد وصلت في الوقت الراهن إلى أكثر من عشرة آلاف ريال (دون رسوم التأشيرة)، الأمر الذي سينعكس بشكل إيجابي للغاية على إجمالي إنفاق الأسر السعودية على العاملات المنزليات، والذي يقدر بنحو 21 مليار ريال سنوياً، إذ تشير المعلومات إلى أن أعداد عمالة المنازل في السعودية يصل إلى قرابة مليون نسمة بمن فيهم العاملات المنزليات وعمال الطبخ والقهوجية والسائقون.
إن نجاح شركات استقدام العمالة في أدائها لأعمالها، وتحقيقها لأهدافها المنشودة منها، يتطلب منها أن تعمل وفقاً لأسس إدارية ومالية وتنظيمية ولوجستية محترفة، وأن تفي بوعودها والتزاماتها التعاقدية تجاه الآخرين، ولا سيما أن ملكية شركات الاستقدام الجديدة، سواء تلك التي تم الترخيص لها بالعمل، أو التي يجري الترخيص لها، هي عبارة عن تحلفات بين مؤسسين لشركات استقدام قائمة حالياً، الأمر الذي يفرض الحاجة إلى تغيير الصورة النمطية والذهنية القديمة المطبوعة لدى معظم أفراد المجتمع عن شركات ومؤسسات الاستقدام، بأنها لا تفي بوعودها والتزاماتها التعاقدية تجاه الآخرين، وتسعى إلى تحقيق الأرباح دون تلبية الاحتياجات وتحقيق التطلعات والطموحات.
إن نجاح شركات الاستقدام في أدائها لأعمالها وتحقيقها للأهداف المرجوة منها، وكذلك تمكينها من تنظيم سوق العمالة المنزلية، يتطلب تدخل الجهات الحكومية المعنية بالأمر في المملكة، بسن التشريعات والقوانين، الكفيلة بحماية وصيانة الحقوق والالتزامات التعاقدية لجميع الأطراف المتعاقدة (مكاتب الاستقدام، والعمالة المنزلية والكفلاء)، حيث يحد ذلك من حدوث التجاوزات التعاقدية التي تحدث في الوقت الراهن، كهروب العمالة المنزلية، أو عدم وفاء الكفلاء بالتزاماتهم التعاقدية سواء المالية أو غيرها والمتفق عليها مع العمالة المنزلية. إن تنظيم سوق العمالة المنزلية، يتطلب كذلك تدخل سفارات الدول التي لديها عمالة في المملكة، من خلال متابعتها الحثيثة لأوضاع عمالتها، للتأكد من أنها تحصل على حقوقها التعاقدية بالكامل من الكفلاء، وتقوم مقابل ذلك بتنفيذ شروط العقد وفقاً للاتفاق، مما سيحد من حالات الهروب للعاملة المنزلية واللجوء للسفارات لطلب التدخل في المراحل الأخيرة.
آخراً وليس أخيراً، إن نجاح شركات استقدام العمالة المنزلية، وتحقيقها للأهداف التنظيمية المنشودة للسوق، يتطلب فتح الاستقدام أو بالأحرى تحرير سوق استقدام العمالة المنزلية بالبحث عن أسواق بديلة، بحيث لا يقتصر السوق على استقدام عمالة من دول معينة دون أخرى، ولا سيما أن نسبة العمالة المنزلية الفلبينية والإندونيسية تشكل أكثر من 80 في المائة من أعداد العمالة المنزلية المتواجدة في السوق السعودية.
إن تحرير سوق استقدام العمالة المنزلية، سيقضي على حالات الاحتكار والاستغلال المحتملة لبعض جهات استقدام العمالة، بفرضها لشروط تعاقد مع عملاتها تعجيزية، فيها شيء من الابتزاز المالي للمستقدمين السعوديين.
خلاصة القول، إن الترخيص لشركات استقدام جديدة متخصصة في استقدام العمالة المنزلية وغيرها، يتوقع له أن يحدث نقلة نوعية في سوق العاملة بشكل عام وبسوق العمالة المنزلية بشكل خاص، ولا سيما أن سوق العمالة المنزلية بالذات، يعاني في الوقت الراهن فوضى عارمة، تسببت في ضياع الحقوق، وظهور سوق سوداء، وسماسرة يبحثون عن الثراء السريع، ضاربين عرض الحائط بحقوق المستقدمين السعوديين.
إن نجاح مكاتب الاستقدام وتحقيقها لأهدافها المنشودة، يتطلب كذلك توفير الحماية اللازمة من قبل الجهات الحكومية المختصة في المملكة للشروط التعاقدية وصيانتها من أن تكون عرضة لعدم الوفاء أو الالتزام، الأمر الذي يتطلب تدخل سفارات الدول، التي لديها عمالة في السعودية لتحقيق هذا المطلب المهم، كما أن توسيع خيارات الاستقدام للعمالة المنزلية، من دول متعددة، سيقضي على حالات احتكار العمالة وقصر استقدامها من دول معينة ومحدودة، مما سينعكس إيجاباً على الأسعار وشروط التعاقد، حيث تصبح أكثر تنافسية مما هي عليه في الوقت الحاضر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي