أم مازن: سترين بوجهِ ابنك عطية الله

رمضانيات-1

..جاء هذا التساؤل من أمٍّ لطفلٍ مصابٍ بعجزٍ ذهني وقد تعمَّدتُ أن أجيب عنه لاهتمامي الشخصي بالموضوع، وليس لأني من المتخصّصين النفسانيين لذا أطلب توجيههم ورأيهم. كما أنها أول رسالة وصلت أول إعلان الشهر الكريم واعتبرتها من عندي علامة تشجيع وإقدام كي أسمح لنفسي بالتصرُّف بالإجابة:
السؤال: "لدي طفلٌ معاق ذهنيا (كثيرون قد لا يحبون هذه الكلمة "معاق" ولكن نوردها كما جاءت)، وأنا بالفعل أتحرج من تصرفاته، وأعمد إلى تقليل زياراتي إلى الناس من أجل ذلك، أو نخرج من دونه مع إبقائه مع الشغالة (وهذه كلمة أخرى وأشجع على استخدام كلمة "العاملة" فهي أنسب وأكرم) ولا أدري كيف التصرُّف معه؟ وهو شديد الحركة ويعمد إلى إغضابي فأضربه ثم أندم ندماً شديداً، ويلومني والده على تصرُّفي معه، ولكنه لا يعاني كما أعاني، وأريد أن توجهوني فيما عليّ أن أعمل"
- أم مازن.
*الأخت، أم مازن:
ما دام أن الله وهبك – وأنا أعمد إلى استخدام هذه الكلمة "وهب" بكل ما تعنيه من شروط الحمد والشكر والقبول والرضا - طفلاً لحق به عجزٌ ذهني، فلا تحزني يا سيدتي، ولا تبتعدي عنه كأنه نتوء زائد في جسد الأسرة، بل امنحيه من حنانك، وحبك، قدر ما استطعت، فإن حب الأمهات لا يعادله حب، ولا تجاوره حاجة، ولا يقاربه علاج ودواء. كما أنصحك بألا تعزليه عن مجتمعه المحيط الذي يعيش به. فالطفل المصاب بعجز ذهني يحتاج إلى الحبَّ والرعاية، إضافة إلى التقدير والإحساس بالنجاح والتشجيع للانخراط مع أفراد مجتمعه في البيت وخارج البيت.
وعلى الأم هنا الحرص على عرض الطفل على المتخصّصين للتعرُّف على درجة العجز الذهني، وفي الوقت نفسه عليها أن تستمر في المتابعة العلاجية مع الأخصائي، وهذا ما أنصح به بشدة.
وعلى الأم واجبات كثيرة نحو الطفل ولكن يجب أولاً أن تتحلى بالصبر، وأن تكون غير ميّالة للعصبية، وأن تكون متفائلة، بعيدة كل البُعد عن الاكتئاب، بعد ذلك عليها أن تساعد طفلها على الاعتماد على نفسه في قضاء حاجياته الأساسية من مأكل ومشرب وملبس واغتسال. كما على الأم أن تتجنب حمايته حماية زائدة لأن ذلك يحرمه من أن يتعلم وحتى لا يكون لديه الاتجاه الاعتمادي على الأم في كل صغيرة وكبيرة، وعليها أن تتجنب تكليفه بأعمال تفوق قدراته حتى لا يُصاب الطفل بالإحباط، وتكون حريصة ولا تتوقع منه الكثير حتى إذا أخطأ لا تلجأ إلى عقابه أو إلى القسوة بالتعامل معه كي لا يشعر بالضغط ويضطر إلى الانطوائية .. أو أن تصاب هي بالحزن لعدم استطاعته.
وعلى الأم أن تشجع ابنها الذي يصاحبه بطءٌ ذهني في أي عمل ينجح في أدائه بالحوافز والمكافآت حتى يسعى للقيام بأعمال أخرى وينجح بها. إضافة إلى ذلك، فإن على الأم أن تشجعه أن يختلط بالأطفال الآخرين تحت مراقبة بعيدة ولكن دقيقة، وإشراكه ببعض الألعاب الرياضية كي يشعر أنه طفل من ضمن بقية الأطفال في المجتمع غير محروم من الأنشطة الاجتماعية المختلفة.
كما يأتي هنا دور الأب وباقي الأسرة الذين يجب أن يحترموا الطفل المصاب ذهنياً ويشركوه في أحاديثهم وأنشطتهم وزياراتهم دون الشعور بأي خجل من المجتمع، وعلى الأسرة أن تتعرّف على نقاط الضعف التي به وتساعده على التغلب عليها. والأهم أن يحيطوه بالحب، الحب الراضي والفخور به، وليس الحب الذي يُولد من الشفقة والرثاء.
إذن كلما تعرّض الطفل المصاب ذهنياً إلى العوامل المحيطة الصحيحة والصحية من الأشخاص العاديين والطبيعيين في الخارج ساعده ذلك على اقتناء المهارات اللازمة ولو ببطء، وتتحسّن نوعياً طاقته الذهنية.
وأرجع إليك يا أم مازن وأقول إن الله وهب لكِ هذا الطفلَ كنعمةٍ سيكافئك عليها مكافأة يتمناها كل إنسان يؤمن بالله وعطائه إن شاء الله، وسيجزيك من أجله حسن الجزاء..
وانظري يا أم مازن دوماً إلى وجه طفلك العذب وابتسمي له، وسترين فيه عطية الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي