من أصحاب المصلحة وكيف أحددهم؟

طوال سنوات من الدراسة والتعلم، تلتها سنوات من البحث والتعليم والتدريب والاستشارات، ومع ذلك لم يُعْينِي مصطلح كما أعياني مصطلح أصحاب المصلحة. هذا المصطلح المضطرب، هذا المصطلح له أوجه متعددة، شبح له أرواح وأجساد متعددة.

تكاد تمسك به في سياق شركة معينة حتى تظن أنك مسيطر عليه، فإذا ذهبت إلى شركة أخرى راغ منك كما يروغ الثعلب. مفهوم أصحاب المصلحة قي سياق الكتب المدرسية تدخل فيه فئات عدة مستهدفة، فمع الاعتراف بحق المساهمين فإن هناك حقوقا في الشركة للموظفين والدائنين والعملاء والحكومات والمنظمين العالميين، وهناك حقوق للمجتمع الذي تعمل فيه الشركات، وللعالم من حيث البيئة والمناخ والمسؤولية الاجتماعية. وإذا قبلنا بكل هذا فإن أصحاب المصلحة هم البشرية جمعاء. لكن مثل هذا التعميم الواسع جدا يضع المخطط الإستراتيجي ومصمم التقارير بأنواعها في حيرة من أمره.

ولا يوجد مسار واضح للتحديد، خاصة الذين يقومون بتصميم الحوكمة أو الأدلة الاسترشادية، فمثلا دليل الانتوساي في الرقابة العامة، يبحث عن أصحاب المصلحة بشكل فضفاض، بلا تحديد هويتهم ولا آليات تحديدهم، ولم يطور أدوات واضحة لذلك، وكذلك المعهد الدولي للمراجعين الداخليين ولا حتى الهيئات المحاسبية، الأمر دائما متروك للجهة التي تقرر من هم أصحاب المصلحة، والجهة تترك الأمر للاستشاري.

هناك أسلوب لتحديد أصحاب المصلحة في علم الحوكمة يستخدم القرار كبوصلة، فكل من يتأثر بالقرار أو يؤثر فيه بشكل مباشر يعتبر صاحب مصلحة، وهذا يجعل المدى واسعا جدا، والبعض يجعل الموارد بوصلة، فمن يستخدم يسيطر على الموارد أو يتحكم فيها، ومن يستخدم المنتجات أو يسيطر عليها هو من أصحاب المصلحة، لكن هذا التصور أو ذاك لا يتناسب مع كفاءة الجهات، فالموارد والمنتجات ليست بهذا الوضوح مثل القطاع الثالث، فالمسألة ليست بتلك البساطة في الممارسات.

لكن لماذا نهتم بأصحاب المصلحة ابتداء، الإجابة عن هذا السؤال هي مفتاح اللغز برمته، فالحوكمة إذا لم تتنبه إلى من هم أصحاب المصلحة فقد تفشل في بناء مصفوفة الصلاحيات، وقد تفشل في تحديد التقارير المطلوبة، وقد تفقد السيطرة على نظام الرقابة الداخلية، لا تستطيع تحديد الحجم الأمثل لمجلس الإدارة، ولا توازنه، لهذا فإن معرفتهم بدقة وحجم تأثيرهم مهم جدا.

للإجابة عن السؤال، وكيف نحدد أصحاب المصلحة، وبعد صراع طويل مع هذا المصطلح، أقول إنه لا يمكن معرفتهم إلا من خلال تحليل السياق الإستراتيجي. التحليل الإستراتيجي (الرؤية والرسالة والأهداف) هي المسار الصحيح لفهم من هم أصحاب المصلحة.

السياق الإستراتيجي هو الذي يحدد لك من أين ستحصل على مواردك للوصول إلى هدفك، وهو الذي يحدد لك من تقدم له خدماتك ومن يستفيد من منتجاتك، في السياق الإستراتيجي تعرف ما هي القوى الضاغطة التي حددت التوجهات والأهداف الإستراتيجية، هذه القوى الضاغطة هي التي ستراقب قرارك، وهي التي ستقرأ تقاريرك وهي التي ستدعم أو تتسبب في فشل إستراتيجياتك وأهدافك.

دعك من كل الحديث عن أصحاب المصلحة يمينا ويسارا، ودعك من المجتمع والسياقات التي تسير فيه، وركز على من يقوم بالضغط على التوجهات الإستراتيجية لكي تسير في مسارها الذي تم التخطيط له، هناك فقط أصحاب المصلحة. فالأساليب والتحليلات والأدوات الإستراتيجية هي وحدها الكفيلة بتحديد أصحاب المصلحة الفعليين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي