«أوبك» بدون حصص إنتاج ونطاق سعري

في يوم الخميس 14/6/2012، انعقد اجتماع مؤتمر منظمة الأقطار المصدرة للبترول ''أوبك'' في العاصمة النمساوية (فيينا)، وانتهى بالموافقة على إبقاء سقف الإنتاج النفطي عند مستواه الحالي والبالغ قدره 30 مليون برميل في اليوم، والذي سبق أن أقرته المنظمة في مؤتمرها الذي انعقد في فيينا بتاريخ 14/12/2011 ليحل محل السقف السابق الذي كان مقداره 24.8 مليون برميل يومياً والذي كانت المنظمة قد اعتمدته في مؤتمرها الذي انعقد في مدينة (وهران) الجزائرية بتاريخ 17/12/2008.
لقد بلغ الإنتاج الفعلي لدول المنظمة في أيار (مايو) الماضي نحو 31.6 مليون برميل في اليوم أي متجاوزاً السقف المتفق عليه بمقدار 1.6 مليون برميل في اليوم، وكان دافع المنظمة من قرار العمل بالسقف الرسمي للإنتاج، المعتمد كما سلف القول في 14/12/2011، هو وقف المسار النزولي لأسعار النفط، حيث تراجعت إلى ما دون 90 دولاراً للبرميل بعدما كانت قد تجاوزت 100 دولار للبرميل.
وأكد البيان الختامي الصادر من المنظمة بعد الاجتماع (أن الصعوبات المستمرة للنهوض الاقتصادي المترافقة مع وجود عرض وفير للذهب الأسود في السوق، أدت إلى انخفاض كبير في أسعار النفط في الأشهر الأخيرة). وطالب عبد الله البدري، أمين عام منظمة أوبك، الدول الأعضاء الالتزام بالقرار المذكور الذي صدر بالإجماع وتخفيض إنتاجها بمقدار 1.6 مليون برميل في اليوم. ومن الملاحظ أن المؤتمر لم يحدد حصة كل دولة عضو من مقدار الإنتاج الإجمالي المتفق عليه، الأمر الذي يثير التساؤل كيف سيتم تنفيذ هذا القرار؟ هل ستقوم كل دولة بتحديد حصتها الإنتاجية حسب قدرتها ومصلحتها الوطنية؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف سيتم التوفيق بين المصالح المتعارضة للدول الأعضاء في هذا الشأن؟ حاول الأمين العام عبد الله البدري أن يزيل بعض الغموض الذي يكتنف كيفية تنفيذ هذا القرار، حيث صرح بأن تحديد الحصص الإنتاجية للدول الأعضاء لم يكن مدرجاً على جدول أعمال الاجتماع وأن ما يهمه هو مستوى 30 مليون برميل يومياً، وأن الأمر لا يتعلق بالحصص. وأن الدول الأعضاء باستثناء العراق وليبيا ستعمل بحصص الإنتاج المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 التي اتفق عليها في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، والواقع أن المنظمة عندما اعتمدت سقف الإنتاج الحالي في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي لم تحدد الحصص الإنتاجية لكل دولة عضو، واكتفت بأن سقف إنتاج 30 مليون برميل يومياً يشمل إنتاج ليبيا (حالياً ومستقبلاً)، حيث كان الإنتاج الليبي قد عاد للتصدير بعد أن غاب عن الأسواق الدولية بسبب المعارك العسكرية التي دارت خلال الثورة الليبية ضد حكم العقيد الهالك معمر القذافي. وكذلك قررت المنظمة أن يشمل السقف المذكور إنتاج العراق الذي ظل عدة سنوات خارج نطاق سقف المنظمة وحصصها الإنتاجية بسبب خضوعه للعقوبات الاقتصادية التي فرضها مجلس الأمن الدولي على العراق إبان عهد الرئيس الهالك صدام حسين ثم اضطراب أوضاعه الداخلية بعد الاحتلال العسكري الأمريكي.
وربما كان أمين عام ''أوبك'' يقصد أن الدول الأعضاء ستقوم بالاسترشاد بالحصص الإنتاجية التي أقرها مؤتمر أوبك في وهران في نهاية عام 2008، ولكن حتى ولو كان ذلك هو المقصود فإن تلك الحصص كانت تشمل جميع دول المنظمة ما عدا العراق، وأنه تم تحديدها على أساس أن الإنتاج الإجمالي لدول المنظمة هو 24.8 مليون برميل يومياً وليس 30 مليون برميل يومياً، ولذلك فإن الغموض ما زال يكتنف كيفية تنفيذ قرار المنظمة الخاص بسقف إنتاجها المستهدف من دون تحديد الحصة الإنتاجية لكل دولة عضو. وتوجد ثلاثة حقائق قد تفسر امتناع ''أوبك'' عن تحديد الحصص الإنتاجية للدول الأعضاء، وهي:
1- إن الإنتاج الليبي لم يصل بعد إلى مستواه السابق قبل نشوب الثورة الليبية، حيث كانت ليبيا تنتج نحو 1.6 مليون برميل يومياً، بينما تنتج في الوقت الحاضر نحو 600 ألف برميل يومياً.
2- إن الإنتاج العراقي لم يصل بعد إلى المستوى الذي يسمح بتحديد حصته التي تتناسب مع طاقته الإنتاجية، وقد صرح ثامر غضبان، كبير مستشاري رئيس الوزراء العراقي في مجال الطاقة، أن العراق أمامه عامان على الأقل قبل الوصول إلى مستوى إنتاج يستدعي مناقشات داخل ''أوبك'' بشأن تحديد حصته الإنتاجية، وقدر أن تتجاوز الطاقة الإنتاجية للعراق بعد عامين أربعة ملايين برميل يومياً.
3- تزايد انخفاض الصادرات النفطية الإيرانية نتيجة للعقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي ومنها حظر دول الاتحاد الأوروبي شراء النفط الإيراني كلياً اعتباراً من الأول من تموز (يوليو) 2012، وقد ترتب على ذلك تراجع الصادرات النفطية الإيرانية تراجعاً كبيراً في الآونة الأخيرة قدرته الوكالة الدولية للطاقة بنحو 40 في المائة، وتفيد بعض التقارير الإعلامية أن الصادرات النفطية الإيرانية نزلت إلى نحو 1.5 مليون برميل يومياً في شهري نيسان (أبريل) وأيار (مايو) من 2.5 مليون برميل يومياً في نهاية عام 2011. إزاء ذلك وجدت ''أوبك'' أن من الملائم أن يترك للدول الأعضاء ذات الطاقة الإنتاجية الفائضة مثل السعودية حرية التصرف لمواجهة أي نقص في الإمدادات. ولعل مما يزكي هذا التفسير أن المهندس علي النعيمي وزير النفط والثروة المعدنية السعودي أكد مجدداً التزام السعودية بسياستها في إدارة استقرار سوق النفط وتجنيبها أي نقص في المعروض.
ومن ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن أسعار النفط انخفضت في الآونة الأخيرة انخفاضاً ملحوظاً إلا أن منظمة أوبك لم تحدد نطاقاً سعرياً يتضمن الحد الأقصى والحد الأدنى للسعر المستهدف الذي يجب الدفاع عنه بزيادة الإنتاج إذا تجاوز السعر في الأسواق الدولية الحد الأقصى المستهدف، وتخفيض الإنتاج إذا انخفض السعر عن الحد الأدنى المستهدف. والواقع أن المنظمة تخلت في مؤتمرها الذي انعقد بتاريخ 30/1/2005 عن آلية النطاق السعري التي كانت قد اعتمدتها في آذار (مارس) 2000، ومنذ ذلك التاريخ لم تعتمد آلية نطاق سعري جديد مناسبة لنفوط الدول الأعضاء، بيد أن مسؤولين في بعض دول ''أوبك'' صرحوا بأن سعر 100 دولار للبرميل في الوقت الحاضر يعتبر سعراً معقولاً وعادلاً للدول المصدرة والمستوردة للنفط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي