حاربوا رجال الأعمال
''الموجة'' الحالية تدفع دفعاً باتجاه الكتابة عما يجلب ''الشعبية''، والدوران في فلك ''الجماهيرية''، حتى أصبح من المحظورات التطرق لكل ما هو ضد التيار السائد، وإن كان صحيحا ومنطقيا، وإذا ما حاول الكاتب، أي كاتب، القيام بذلك، فإن متابعيه يتحولون بقدرة قادر من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. هذه المقدمة أساسية لأني أعلم أن هذا المقال لن يعجب كثيرا من القرّاء الأفاضل.
مَن يراقب المشهد العام، إعلاميا وشعبيا، يرى أن هناك حملة مستترة للتجييش ضد رجال الأعمال والمستثمرين السعوديين بصورة عامة دون تفريق بين الصالح والطالح، ولا أعني هنا الحديث عن جشع تجار أو طمع رجال أعمال، فهذا من ضمن ما لا يمكن إنكاره، بل الحديث عن لغة التعميم غير العادلة، فـ ''التجار غشاشون'' و''رجال الأعمال طماعون''، وعلى هذا المنوال فإن الحديث بهذا المنطق آخذ في الترسخ كطابع عام، وغدت السهام مصوبة تجاه رجال الأعمال والتجار والمستثمرين في كل وقت وكل حين، مع تغافل أنهم قبل وبعد الصفة التي يحملونها هم مواطنون، فهناك من يخوّنهم وآخرون يقذعونهم بأقذع الصفات، وكأنهم قدموا من كوكب آخر، ولا تسأل عن المصلحة من خلق هذه الفجوة في العلاقة بين المجتمع وقطاع الأعمال، أو ليس هؤلاء من يوظفون عشرات الآلاف من أبنائنا؟ أو ليس أي قطاع خاص في العالم هو رافد أساسي ومحرك لا يمكن الاستغناء عنه إطلاقا، وتعتمد عليه الدول كمكمل أساسي لاستراتيجيتها العامة؟
مستثمرونا، كبارهم وصغارهم، ليسوا بحاجة إلى مثلي ليدافع عنهم، كما أنني طالما انتقدت ما يقوم به ''بعض'' رجال المال والأعمال في البلاد، ويمكن العودة لأرشيف المقالات، ومع هذا فأنا ضد لغة التعميم التي طغت وتوسعت حتى أصبحت، خطأ، فكراً شائعا يستخدم لضرب أمانة ومصداقية الصادقين والمخلصين منهم، وأفرزت خلق صورة نمطية لا تعكس الواقع ولا الحال. وقبل يومين كتبت تغريدات عن هذا الموضوع في حسابي على ''تويتر''، وجاءت ردود الفعل كما توقعت، غاضبة انفعالية لا مكان للعقل فيها إلا من رحم ربي، اتهمهم البعض جميعاً بالسرقة (هكذا)، وذهب البعض الآخر بعيدا، في سياق تأكيده للغة التعميم، رابطا حديثي ببحثي عن مصالح خاصة معهم أو دفاعاً عن المعلنين في الصحيفة، فيما شرَّق آخرون باعتباري رجل أعمال أدافع عن مصالحي، وهذا شرف كم كنت أتمنى أن أدعيه.
لا جدال أن ما يقدمه القطاع الخاص بصفة عامة للوطن وأبنائه هو واجب وليس منة إطلاقا، وعلى سبيل المثال مهما ارتفعت نسبة السعودة في هذا القطاع فسنظل نطالب بالمزيد حتى لا يبقى عاطل سعودي، بينما هناك من الوافدين من يقتطع من أرزاق المواطنين، هذه مسلمات محسومة ولا مجال للتأكيد عليها مجددا.
من السهل ركوب موجة الشعبية والجماهيرية والرقص طربا على أوتارها والعزف نشازاً على أشلائها، إلا أن نتائجها خطيرة جدا متى ما ابتعدت عن المنطق والعقل، وهذه ظاهرة آخذة في الاتساع وربما تحتاج إلى الدراسة والتحليل العميق، عندها سنعرف لماذا يصرون على استعداء مكون رئيس من مكونات الاقتصاد المحلي.