من أجل "مصر الجديدة"
على الرغم مما حدث ويحدث في بعض دول ما يسمى الربيع العربي بصفة عامة وما حدث ويحدث في مصر منذ ثورة 25 يناير المجيدة بصفة خاصة إلا أنني آليت على نفسي ألا أكتب عن هذه الأحداث في وقتها وآثرت السكوت والمتابعة من بعد وعدم التسرع بالحديث البراق والشعارات المدوية التي أفسد بعض منها بلدانا عربية في عقود سابقة تحت عناوين مثل: "الوحدة العربية، القومية العربية، الاتحاد الاشتراكي ... وغيرها"، وعندما يوضع شعار "الإسلام هو الحل" يقال لا تتخذوا شعارات دينية ولا تتخذوا الدين ستارا أو هدفا لتحقيق أهداف شخصية، إذا كان يحدث ما يدَّعون بالفعل فإنه ليس بسبب عيب في الإسلام ـــ لا سمح الله ـــ ولكن لعيب في بعض المسلمين الذين أساؤوا إلى الإسلام وإلى الأكثرية من المسلمين بالتطبيق الخاطئ للإسلام ولكني أقول: الخير كله في الإسلام وإذا أراد المسلمون السعادة والراحة والأمن فلا سبيل لهم إلى ذلك إلا بتمسكهم بالدين الصحيح فلن يصْلُحَ حالُ الأمة الآن إلا بما صَلُحَ به أولُها من الرعيل الأول من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، فلما كُلِّف الرسولُ ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ بالرسالة وتبليغ الإسلام كان أمر هذا الدين (الإسلام) عظيما ودخل القلوب قبل الآذان والعقول وغيَّر من حال الناس إلى خير حال، فوجد من اعتنق الإسلام وسار على ما جاء في القرآن والسنة النبوية المطهرة السعادة كل السعادة في هذا الدين الذي ارتضاه الله لعباده وأرسل به خير الرسل وخاتمهم محمدا ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ ليبلغه وينشره لأن فيه الخير للناس أجمعين.
إن ما يحدث الآن في مصر من اضطراب وتشكيك في النيات واختلاف وتشرذم يدل على ضبابية الرؤية وتعدد المسالك والطرق واختلاف الأهواء والمشارب فكلٌّ يدندن على عوده ليطرب نفسه ومَن على شاكلته ويحاول جاهدا أن يشوش على من يختلف معه، لا يريد أن يستمع للرأي الآخر سواء اتفق أو اختلف معه .. فإلام هذا الاختلاف والفرقة؟!
لماذ لا يعطي بعضنا بعضا الفرصة للتعبير عن رأيه بكل حرية وأريحية بأسلوب يكتنفه الأدب والذوق ولا يخرج عن آداب الإسلام التي كفلها لكل المسلمين؟! الأمر أهون من أن يعيب أحدُنا الآخر أو يقاطعه أو يرجمه بكلمات لاذعة وأوصاف ما أنزل الله بها من سلطان كأنه خرج من الدين أو ارتكب كبيرة من أكبر الكبائر أو جلب العار لأهله وبلده.
إن المرحلة الحالية تتطلب منا التريث والتؤدة وعدم العجلة أو الحكم على الأحداث والمواقف والتصرفات بظاهرها أو من خلال وسائل الإعلام التي تروِّج الشائعات ولا تلتزم الحيادية وتخلط السم بالدسم وتدعي أنها تعمل بحيادية ومهنية ولا تساند طرفا ضد آخر وهي بعيدة عن ذلك ـــ إلا ما رحم ربي.
علينا أن نتابع الأحداث باهتمام دون تعصب وأن نكون إيجابيين فاعلين من أجل خدمة مجتمعنا ونهضة بلدنا لبناء مصرنا الحديثة على العدل والمساواة والاهتمام بالمواطن المصري الذي هو لب النهضة وعمادها بتوفير كل ما يلزمه لعيش حياة كريمة وتدريبه على أحدث ما وصل إليه العلم في جميع المجالات حتى يستطيع أن ينافس غيره من سكان العالم ويفوقهم ـــ بإذن الله.
توحيد الصفوف واستغلال الطاقات فيما يفيد للخروج بالبلد من النفق المظلم الذي وضع فيه مطلب كل شريف يخشى الله ويريد لمصرنا العزيزة الخير، وتجاوز العثرات والعفو عمن ظَلَم والتماس الأعذار يساعد على ذلك.
إن تحول مصر من الديكتاتورية المطلقة إلى الحرية المطلقة التي انقلبت إلى فوضى عارمة مع حدوث فراغ أمني منقطع النظيرأصاب الناس بالذهول وعدم الاتزان ونشر الرعب وعدم الإحساس بالأمان في الشارع المصري.
عندما يُنظَر إلى مَن يتربص بمصر الآن وعلى رأسهم إيران ، يجد أن الأمر جد خطير وواجبٌ على المسلمين جميعهم من أهل مصر أن ينتبهوا ويواجهوا هذا المد الذي يتذرع بدعاوى منها: تشجيع السياحة الإيرانية لمصر من أجل زيادة الدخل القومي المصري، وآخر ذلك التجرؤ البغيض، زيارة أحد صناديدهم لمصر وهو المدعو علي الكوراني الذي جاء لمصر وطاف بقبر مالك بن الحارث الأشتر النخعي أحد قواد علي بن أبي طالب ـــ رضي الله عنه ـــ في المرج شمالي مدينة القاهرة، والذي يسميه العامة "قبر سيدي الشيخ العجمي"، تزامنا مع أحداث الأزمة بين مصر والسعودية وما حدث أمام السفارة السعودية التي رُصِدَ أمامها بعضُ من تشيعوا من مصر، وهذا يدل دلالة واضحة على ارتباطه بذلك، فقد دُبِّرَتْ هذه الأزمة لإفساد العلاقة بين البلدين الشقيقين حيث كانت السعودية وما زالت إلى الآن الداعم الوحيد من الأشقاء العرب لمصر وبهذا التدبير والمكر السيئ الذي حاق بأهله تنفصل السعودية عن مصر وتتركها في هذه الظروف الصعبة، حتى لا تجد أمامها صدرا حانيا إلا إيران التي بدورها تنتهز هذه الفرصة التي جاءتها على طبق من ذهب وتنشر تشيعها وخرافاتها وأباطيلها في هذا البلد الآمن والصخرة التي تحطمت عليها مآرب الطغاة والمستعمرين المعتدين وستظل على ذلك ـــ إن شاء الله.
فكان لزاما على كل مصري شريف يغار على دينه ونبيه ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ وصحابته الكرام وأمهات المؤمنين أن يذود عنهم وينافح بكل ما أوتي من قوة ضد هذه الأكاذيب الشيعية والعقائد الفاسدة التي تخرج من الملة وتغضب رب العالمين ونبيه الكريم.
"رب ضارة نافعة" قول يتردد وينطبق على ما نحن فيه الآن في مصر، فالناس اليوم تموج في فتن كقطع من الليل المظلم ما يُمسون فيه غير ما يُصبحون عليه لكثرة الفتن وتنوعها وتخبط الآراء وتشكيك الناس في بعضهم وهذا بسبب الفوضى الموجودة في البلاد في هذه المرحلة الحرجة، التي أدعو الله أن ينجينا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
على كل مسلم حر أن يميل ويرحب بكل مَن يَعِدُ بأنه سيقيم شرع الله ويحكم بالعدل ويطبق ما جاء به رسولنا الكريم ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ فنحن لنا الظاهر والله أعلم بالسرائر، ولأن في ذلك نصرة للدين وإعانة على الحق وإبعادا للظالمين والمعتدين الذين يريدون أن يعودوا بنا إلى الديكتاتورية والتسلط وفرض الرأي ولو كان خطأ أو باطلا أو يناقض ما جاء به الشرع الحكيم ويقسموا الناس إلى أسياد وعبيد مع أن الله خلقهم أحرارا كما قال عمر بن الخطاب ـــ رضي الله عنه: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟" وقول الله تعالى: يَا أَيها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [ (الحجرات: 13).
إن الكلام يطول عن المشكلات التي تواجهنا والأزمات المفتعلة من قبل أنصار النظام السابق والمنتفعين من ورائه وأصحاب المصالح الذين لا يكلون ولا يملون ويحاربون كل ما هو جميلٌ جاء أعقاب الثورة المجيدة التي شاء لها رب العالمين أن تغيِّر أوضاعا لم تكن لتخطر ببال أكثر المتفائلين من المصريين، ولكن مشيئة الله لا يقف أمامها أيُّ أحد، ولذلك علينا أن نستفيد من هذه الأحداث لكي نعيد بناء وطننا من جديد، وطن قائم على شرع الله مع العدل الذي هو أساس المُلك وإعطاء كل مواطن حقه بما يرضي الله حتى يهنأ الجميع بتطبيق الشريعة التي هي دواء القلوب وبلسم الأجسام والراحة لكل بال، إضافة إلى العدل الذي يُشْعِرُ الناسَ بالرضا والأمان ويزيل الحقدَ والحسدَ والضغينةَ من قلوب الناس، حيث يعطف الغنيُّ على الفقير ويحافظ الفقير على أموال الغني كأنها أمواله هو، حيث الكل متساوون أمام الشرع والقانون وعلى أرض الواقع، فالمحبة سائدة والوئام ينشر ملامحه على وجوه المواطنين كلهم.
إن تحكيم شرع الله يضمن لغير المسلم قبل المسلم الأمان والعدل اللذين يهيئان للجميع السبيل إلى البناء والتنمية والتقدم والسمو إلى الرفعة والازدهار، فمَنْ أراد الأمانَ فعليه تحقيق الإيمان الذي لا يشوبه ظلم أو عدوان قال الله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون). {الأنعام: 82}، وقوله جل من قائل: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تؤدوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) {النساء: 58}.
ويقول حافظ إبراهيم في الخليفة العادل عمر بن الخطاب "رضي الله عنه"
وراع صاحب كسرى أن رأى عمرا **** بين الرعية عطلا وهو راعيها
وعهده بملوك الفرس أن لها **** سورا من الجند والأحراس يحميها
رآه مستغرقا في نومه فرأى **** فيه الجلالة في أسمى معانيها
فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملا **** ببردة كاد طول العهد يبليها
فهان في عينه ما كان يكبره **** من الأكاسر والدنيا بأيديها
وقال قولة حق أصبحت مثلا **** وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمِنْت لمّا أقمتَ العدل بينهم **** فنمت نوم قرير العين هانيها
الأبيات السابقة نبراس لمن أراد أن يلي من أمر المسلمين شيئا، فالأمر ليس تشريفا بل هو تكليف وأمانة سيحاسب كل من اؤتمن عن أمانته، فإذا اتبع الحاكم دين الله وطبَّق شرعه الحكيم وسنة نبيه الكريم استطاع أن ينجح في تحقيق ما تحمَّل مسؤوليته وأن يفوز في الدنيا والآخرة، فبالإيمان ثم العدل يستطيع الحاكم أن يَحكُمَ ويُسَدَّدَ، وهل يعلم مَن أراد أن يكون على سدة الحكم أن عثمان بن عفان ـــ رضي الله عنه ـــ كان لا يأخذُ درهما من بيت مال المسلمين لنفسه ـــ رغم أن ذلك يَحِقُّ له ـــ وكان ينفق على نفسه وأهله من ماله الخاص وكثيرا ما ينفق على رعيته من ماله الخاص أيضا؟! فاقتدِ يا مَنْ تبغي الحكمُ بمَنْ سبقوك، فالعاقل من اتعظ بغيره.
وفي الختام أقول لكل من يلهث وراء المناصب بحق أو بغير حق: لا تفرح بذلك فأنت محاسب عما تفعل فاحرص على آخرتك حرصك على دنياك واعلم أن الله يراك فلا تجْعلْه أهونَ الناظرين إليك، وأدعو الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.