النفط والغاز ومعاهدة السلام المصرية ـــ الإسرائيلية (2 من 3)
نفى عدد من المسؤولين المصريين وجود أسباب سياسية وراء فسخ عقد بيع الغاز للشركة التي تصدره إلى إسرائيل، وأكدوا أن سبب الفسخ راجع لخلافات تجارية محضة. وكان أول رد فعل إسرائيلي على فسخ العقد، أن مصر بهذا الفسخ انتهكت معاهدة السلام المبرمة سنة 1979، وطالبت بتدخل الولايات المتحدة، وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن وقف تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل يعد ضربة سياسية؛ لأن هذا الموضوع مرتبط بمعاهدة السلام. وهذا ادعاء غير صحيح؛ لأن معاهدة السلام لا تلزم مصر بتصدير الغاز المصري الطبيعي لإسرائيل، فمصر لم تكن دولة مصدرة للغاز سنة 1979، إنما قررت الفقرة (3) من المادة الثالثة من المعاهدة تطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية بين الطرفين، وأن البروتوكول الملحق بهذه المعاهدة (الملحق الثالث) يضع طريقة إقامة هذه العلاقات. ولم يتضمن هذا الملحق نصًّا يلزم مصر ببيع سلع أو مواد معينة لإسرائيل، إنما قررت المادة الثانية من هذا الملحق أن يدخل الطرفان في مفاوضات في موعد لا يتجاوز ستة أشهر بعد إتمام الانسحاب المرحلي، وذلك بغية عقد اتفاق تجارة يستهدف إنماء العلاقات الاقتصادية ذات النفع المتبادل بينهما، ثم وقعت الحكومتان محضرًا بشأن تفسير بعض مواد وملاحق المعاهدة، اتفق الطرفان بموجبه على (أن العلاقات الاقتصادية ستشمل مبيعات تجارية عادية من البترول من مصر إلى إسرائيل، وأن يكون من حق إسرائيل الكامل التقدم بعطاءات لشراء البترول المصري الأصل الذي لا تحتاج إليه مصر لاستهلاكها المحلي، وأن تنظر مصر والشركات التي لها حق استثمار بترولها في العطاءات المقدمة من إسرائيل على الأسس والشروط نفسها المطبقة على مقدمي العطاءات الآخرين لهذا البترول).
وترتيبًا على ما سبق وقعت مصر وإسرائيل في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات اتفاقية بشأن بيع النفط المصري لإسرائيل، التزمت مصر بموجبها بأن تورد ما يوازي مليوني طن سنويًّا من النفط لإسرائيل على أن تجري عروض الشراء حسبما هو معمول به بين شركات النفط العالمية. وكانت كمية النفط المتفق عليها تمثل آنذاك ربع حاجات إسرائيل من الطاقة، كما كانت تراوح بين 20 و22 في المائة من النفط المصري المصدر إلى الخارج. كما أن الولايات المتحدة وقعت مذكرة تفاهم مع إسرائيل في يوم توقيع معاهدة السلام المصرية ـــ الإسرائيلية، التزمت بموجبها الولايات المتحدة بتزويد إسرائيل بالنفط لمدة 15 عامًا إذا لم تستطع الحصول على احتياجاتها بالطرق المعتادة.
وفي شهادته أمام محكمة جنايات القاهرة التي يحاكم أمامها الرئيس السابق حسني مبارك، كشف اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة المصرية السابق، الذي عينه مبارك نائبًا له قبل أيام قليلة من تنحيه عن الحكم، عن أن حسني مبارك اتخذ في عام 2000 قرار تصدير الغاز إلى إسرائيل بدلاً من البترول، بعد أن توقفت مصر عن تصدير البترول منذ عام 1998، نتيجة حاجة السوق المحلية إليه وكان البديل عنه تصدير الغاز، وأن الرئيس السابق تشاور مع وزير البترول الأسبق سامح فهمي، ورئيس مجلس الوزراء الأسبق عاطف عبيد، وتم الاتفاق على إسناد شراء الغاز وتصديره إلى إسرائيل بالأمر المباشر إلى شركة شرق البحر الأبيض المتوسط التي أسسها رجل الأعمال المصري حسين سالم مع آخرين لهذا الغرض. وأبرم العقد بين الشركة المذكورة والهيئة العامة المصرية للبترول في عام 2005، وبدأ تنفيذه عام 2008. وجدير بالذكر أن هذه الشركة مصرية الجنسية؛ لأنها أسست في مصر ووفقًا للقانون المصري، وأن من بين المساهمين في هذه الشركة رجل الأعمال الإسرائيلي – الأمريكي سام زيل وشركة مرهاف الإسرائيلية وشركة (إميال أمريكان إسرائيل) التي يملكها رجل الأعمال الإسرائيلي يوسف مايمان، الذي كان ضابطًا في المخابرات الإسرائيلية (الموساد) وشركة (بي تي تي) التايلاندية للطاقة. ووقعت شركة غاز شرق البحر الأبيض المتوسط عقدًا مع شركة كهرباء إسرائيل، التزمت بموجبه الأولى بأن تصدر إلى الشركة الثانية الإسرائيلية نحو (1.7) مليار متر مكعب سنويًّا من الغاز المصري لمدة 20 عامًا، كما أن الحكومتين المصرية والإسرائيلية وقعتا في عام 2005 اتفاقًا بشأن مد خط أنابيب الغاز بين البلدين.
والواقع أنه يوجد تشابه في بعض الإجراءات والأساليب التي اتبعتها الحكومة المصرية في بيع كل من النفط والغاز لإسرائيل، ويمكن تحديد أوجه التشابه على النحو التالي:
1- أن كلتا الصفقتين، بيع النفط وبيع الغاز، لم تعرض على مجلس الشعب المصري. ولقد أثار بعض نواب المعارضة مسألة عدم عرض اتفاقية بيع النفط لإسرائيل على مجلس الشعب وطالبوا بأن يدرسها المجلس، إلا أن الحكومة المصرية في عهد الرئيس أنور السادات اعترضت على ذلك على أساس أن الاتفاقية تعتبر مكملة لمعاهدة السلام التي سبق لمجلس الشعب أن وافق عليها. كما حدثت مواجهة ساخنة بين المعارضة والحكومة المصرية في عهد الرئيس حسني مبارك بخصوص اتفاقية بيع الغاز لإسرائيل، حيث طالبت المعارضة بعرض هذه الاتفاقية على مجلس الشعب لمناقشتها، إلا أن الحكومة رفضت ذلك بذريعة عدم وجود اتفاقيات بين الحكومتين المصرية والإسرائيلية لتصدير الغاز الطبيعي، وأن الوثائق المتعلقة بهذا الشأن تتمثل في مذكرة تفاهم موقعة من قبل الحكومتين في عام 2005 بخصوص تسيير أنابيب الغاز عبر أراضي البلدين، وأنه لا توجد في هذه المذكرة أي اتفاقيات ذات طابع مالي أو اقتصادي، وأن مذكرة التفاهم ليست في إطار الاتفاقيات الدولية التي يتعين قانونًا موافقة مجلس الشعب عليها، وأن تصدير الغاز يتم بين شركات تجارية، وأن دور الدولة لا يتعدى تسيير خطوط الأنابيب التي تمر بأراضيها.
2- في كلتا الصفقتين، بيع النفط وبيع الغاز، باعت الحكومة المصرية النفط والغاز لإسرائيل بأسعار متدنية عن الأسعار السائدة في الأسواق العالمية، حيث اتهمت المعارضة الحكومة ببيع النفط لإسرائيل بتخفيض عن السعر الدولي السائد بلغ في بعض الأحيان خمسة دولارات في البرميل، أما في صفقة الغاز فقد كانت الخسارة أفدح وأعظم نكرًا، حيث ثبت بأحكام قضائية بيعه بأسعار متدنية جدًّا عن الأسعار السائدة في الأسواق الدولية، وأن هذه الأسعار حرمت – كما سلف القول - مصر من 13 مليون دولار يوميًّا هي الفرق عن الأسعار العالمية.