إعادة التوازن إلى منطقة اليورو
تكشفت أزمة منطقة اليورو في مستهل الأمر باعتبارها أزمة ديون سيادية تؤثر غالباً في الطرف الجنوبي للمنطقة، حيث بلغت أسعار الفائدة على السندات السيادية في بعض الأوقات إلى 6 في المائة أو 7 في المائة بالنسبة لإيطاليا وإسبانيا، بل مستويات أعلى بالنسبة لدول أخرى. ولأن بنوك منطقة اليورو تحتفظ بجزء كبير من أصولها في هيئة سندات سيادية تابعة لدول منطقة اليورو، فقد تحولت أزمة الديون السيادية إلى أزمة مصرفية محتملة، ثم تفاقم الأمر سوءاً بسبب خسائر أخرى تكبدتها البنوك نتيجة انهيار أسعار الإسكان في إسبانيا على سبيل المثال. لذا فإن التحدي الأساسي فيما يتصل بحل أزمة منطقة اليورو يدور حول تخفيف أعباء الديون المستحقة على دول الجنوب.
إن التغير في عبء الديون المستحقة على أي دولة يعكس حجم توازن موازنتها الأساسية (ميزان المدفوعات ناقص أقساط الفائدة) كحصة من الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن الفارق بين تكاليف اقتراضها ومعدل نمو ناتجها المحلي الإجمالي. وعندما يصبح الفارق بين تكاليف الاقتراض والنمو أكبر مما ينبغي، فإن تحقيق فوائض الموازنة الأولية اللازمة لمنع الدين من الزيادة يصبح أمراً مستحيلا. والواقع أن النمو في جنوب أوروبا من المتوقع أن يقترب من الصفر أو ربما يهبط إلى ما دون الصفر على مدى العامين المقبلين، ومن غير المتوقع أن يتجاوز 2 في المائة إلى 3 في المائة حتى في الأمد البعيد.
ورغم أن العناوين الرئيسة قد لا تبرز هذه الحقيقة دوماً فإن السبب الأساسي وراء أزمة منطقة اليورو ــ والآن العقبة التي تحول دون النمو في الجنوب ــ كان متمثلاً في التفاوت الذي طرأ بين الدول الواقعة على أطراف المنطقة فيما يتصل بتكاليف الإنتاج، خاصة ''الجنوب'' (على وجه التحديد، اليونان وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال) و''الشمال'' (ألمانيا على سبيل التبسيط) أثناء العقد الأول الذي أعقب استخدام اليورو. فقد ارتفعت تكاليف وحدة العمل في البلدان الجنوبية الأربعة بنسبة 36 في المائة، و28 في المائة، و30 في المائة، و25 في المائة على التوالي، أثناء الفترة من 2000 إلى 2010، مقارنة بأقل من 5 في المائة في ألمانيا، الأمر الذي أدى إلى تفاوت تراكمي بحلول نهاية 2010 تجاوز 30 في المائة في اليونان وأكثر من 20 في المائة في البرتغال وإيطاليا وإسبانيا.
وفي هذا السياق، فإن نمو الإنتاجية ــ سواء نتيجة للتقدم التقني، أو تخصيص الموارد بشكل أفضل، أو الاستثمار الإنتاجي ــ لا يقل أهمية كمتغير بالنسبة لاقتصادات دول الجنوب عن تقييد الأجور. والواقع أن انكماش الأجور المفرط من المرجح أن يؤثر سلباً في الإنتاجية. فمن المرجح أن تهاجر العمالة الماهرة بسرعة أكبر، ومن المؤكد أن التقشف الشديد، وهبوط الأسعار، وارتفاع معدلات البطالة ــ والتوترات الاجتماعية التي قد تنتج عن هذا ــ كل هذا لا يفضي إلى الاستثمار أو الإبداع أو زيادة قدرة اليد العاملة على التنقل.وبالتالي فإن عكس الفارق الضخم في تكاليف وحدة العمل الذي نشأ أثناء العقد الأول من عمر اليورو لا يتطلب الإصلاحات الرامية إلى تقييد الأجور وتعزيز الإنتاجية في الجنوب فحسب، بل يتطلب أيضاً زيادات أعلى للأجور في الشمال. والمحاكاة تُظهِر أنه لو كان نمو الأجور في ألمانيا بنسبة 4 في المائة سنوياً بدلاً من 1,5 في المائة على مدى العقد الماضي، وإذا تسارعت وتيرة نمو الإنتاجية السنوي في إسبانيا إلى 2 في المائة (كانت النسبة أقرب إلى 0,7 في المائة في البلدين)، فإن إسبانيا تصبح قادرة على عكس الفارق في تكاليف وحدة العمل الذي نشأ مع ألمانيا منذ عام 2000 في غضون خمسة أعوام، مع نمو الأجور في إسبانيا بنسبة تقرب من 1,7 في المائة سنويا.
أي أن التكيف الداخلي في منطقة اليورو غاية يمكن تحقيقها باختصار من دون انكماش خطير في الجنوب، شريطة أن تتسارع وتيرة نمو الإنتاجية هناك، وأن يقوم الشمال بدوره من خلال تشجيع مكاسب الأجور الأسرع قليلا. ولا بد أن يكون الفائض الأصغر في الحساب الجاري الذي قد ينتج عن هذا في شمال أوروبا موضع ترحيب في حد ذاته. وإذا أصر الشمال على الحفاظ على معدل نمو الأجور المنخفض الذي دام طوال الفترة من 2000 إلى 2010، فإن التكيف الداخلي سيتطلب زيادة معدلات البطالة والانكماش بشكل كبير في الجنوب، وهو ما من شأنه أن يجعل تحقيق التكيف أشد صعوبة، بل ربما مستحيلاً من الناحية السياسية.
خاص بـ ''الاقتصادية''
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2012.
www.project-syndicate.org