النفط والغاز ومعاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية (1)
رغم أن النفط يتقدم على الغاز في عنوان هذا المقال، إلا أنني أبدأ المقال بالحديث عن الغاز؛ لأنه في بؤرة الاهتمام في الوقت الراهن، بعدما أعلنت الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية، المملوكة للدولة، يوم الأحد 22/04/2012 فسخ عقد توريد الغاز المبرم مع شركة (غاز شرق البحر الأبيض المتوسط) التي تقوم بتصدير الغاز إلى إسرائيل، بسبب عدم سدادها أكثر من 100 مليون دولار من التزاماتها المالية رغم الإنذارات العديدة التي وجهت إليها. وترتب على فسخ العقد وقف تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل التي كانت تمدها الشركة المذكورة بنحو 43 في المائة من حاجتها من الغاز الطبيعي. وحظي فسخ العقد بترحيب شعبي في مصر، كما رحبت به جميع الأحزاب والقوى السياسية المصرية؛ لأن الغاز المصري كان يذهب إلى عدو الأمة العربية، ويباع لإسرائيل بثمن بخس يقل عن الأسعار السائدة في الأسواق الدولية، وأدى ذلك في تقدير بعض الخبراء إلى حرمان مصر من 13 مليون دولار يوميًّا هي الفرق عن الأسعار العالمية. وجدير بالذكر هنا أن محكمة القضاء الإداري سبق أن حكمت في 18/11/2008م بوقف تنفيذ قرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004 المتضمن بيع الغاز لإسرائيل، ثم نظرت المحكمة الإدارية العليا في الطعن الذي قدمته الحكومة المصرية ضد حكم محكمة القضاء الإداري، وأصدرت حكمًا في 27/02/2010م يقضي بإلغاء الحكم المذكور آنفًا على أساس أن تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل وغيرها، يعد عملاً من أعمال السيادة يخضع لاعتبارات الأمن القومي المصري، ويخرج عن نطاق رقابة القضاء الإداري، لكن هذا الحكم وصف بنود اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل بأنها (معيبة)، وأكد ضرورة مراجعة سعر الغاز المصدر لإسرائيل ومراعاة احتياجات الشعب المصري للغاز خلال الفترة المتبقية من الاتفاقية. كما قرر الحكم إلغاء سقف الاسترشاد بسعر النفط الخام عند حد 35 دولارًا للبرميل عند تسعير الغاز الطبيعي، وألزم الحكومة المصرية بأن تعدل أسعار تصدير الغاز المصري لإسرائيل بما يتفق مع تطورات أسعار النفط والغاز في السوق العالمية، وبما يتفق مع المصلحة العامة.
وبعد سقوط نظام الرئيس حسني مبارك على أثر الثورة الشعبية التي انفجرت يوم 25/01/2011، أحيل الرئيس السابق والمهندس سامح فهمي، وزير البترول الأسبق وبعض المسؤولين في قطاع النفط وحسين سالم رئيس مجلس إدارة شركة غاز شرق المتوسط إلى محكمة جنايات القاهرة بتهم إهدار المال العام بسبب بيع الغاز لإسرائيل بأسعار متدنية، والتربح الحرام من إبرام هذه الصفقة. ولم تفصل المحكمة بَعْدُ في هذه القضية. ومن جهة أخرى، كشف الدكتور البيومي محمد البيومي، نائب رئيس مجلس الدولة في تصريح نشرته جريدة ''الأهرام'' بتاريخ 26/04/2011، أن رئاسة المحكمة الإدارية العليا في مجلس الدولة تعرضت لضغوط شديدة من الرئيس السابق حسني مبارك، وذلك في أثناء نظر قضية تصدير الغاز لإسرائيل، وطالبت رئاسة الجمهورية المحكمة اعتبار قرار التصدير عملاً من أعمال السيادة ولا يصح لقضاء مجلس الدولة أن ينظر في هذا الموضوع؛ لأنه غير خاضع للرقابة القضائية. وأضاف أن الضغوط التي تعرضت لها المحكمة لم تتوقف عند رئاسة الجمهورية، بل تلقت المحكمة أيضًا ضغوطًا من رئيس مجلس الوزراء الأسبق أحمد نظيف ووزير البترول الأسبق سامح فهمي ووزير المالية الأسبق الهارب خارج البلاد يوسف بطرس غالي، وكلها تصب في إطار أن القضية تعد قضية أمن قومي وغير خاضعة للقانون.
وهنا أود التعليق فأقول: إنه على الرغم من أن المحكمة الإدارية العليا استجابت لطلب الحكومة واعتبرت تصدير الغاز لإسرائيل عملاً من أعمال السيادة يخرج عن نطاق الرقابة القضائية، إلا أنها– كما سلف القول– ألزمت الحكومة المصرية بأن تعدل أسعار تصدير الغاز المصري لإسرائيل بما يتفق مع تطورات أسعار النفط والغاز في السوق العالمية والمصلحة العامة المصرية، وهذا في الواقع يعني أن المحكمة الإدارية العليا دانت الحكومة في عهد الرئيس حسني مبارك على إهدارها ثروة طبيعية ببيعها لإسرائيل بثمن بخس.
وجدير بالذكر أن الدكتور عصام شرف الذي ترأس الحكومة المصرية بعد سقوط النظام السابق قرر مراجعة وإعادة دراسة عقود الغاز التي أبرمتها مصر مع جميع الدول بما في ذلك إسرائيل والأردن بهدف بيعه بأسعار مجزية تحقق أعلى فائدة لمصر، وبدأت فعلاً المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، لكن حكومة عصام شرف استقالت دون أن تتمكن من إبرام اتفاق جديد يزيد سعر تصدير الغاز لإسرائيل وفقًا للأسعار العالمية.
ومنذ اندلاع الثورة المصرية فجر مجهولون خط أنابيب نقل الغاز في سيناء 14 مرة، وفي كل مرة يتوقف تصدير الغاز لإسرائيل والأردن أيامًا أو أسابيع معدودة، إزاء ذلك لجأت إسرائيل إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لإحالة هذا الموضوع إلى التحكيم الدولي بدعوى أن مصر خالفت أهم بنود اتفاقية تصدير الغاز، وهي تأمين السلعة ووصولها بشكل مستقر. وطالب عدد من خبراء الطاقة الإسرائيليين الحكومة الإسرائيلية بضرورة التحرك الفوري لإيجاد بديل للغاز الطبيعي المصري نظرًا للاضطرابات التي تشهدها مصر في الوقت الراهن.
ومن ناحية أخرى، رأى بعض الخبراء الاقتصاديين أن وقف تصدير الغاز لإسرائيل سيسهم في حل مشكلات الطاقة في مصر، التي يعانيها المواطنون والمستثمرون. وصرح حسن يونس وزير الكهرباء والطاقة المصري بأن كميات الغاز التي كانت تصدر إلى إسرائيل سيتم توجيهها لمحطات الكهرباء المصرية التي هي أولى بها.