في وداع «حارس البوابة»
يبدو أن مرحلة ''الرقيب'' و''حارس البوابة'' تشهد أيامها الأخيرة، فالمشهد الإعلامي اليوم يشهد تغيرات كبيرة سمحت بدخول متعاملين جدد في مجال إنتاج الإعلام وتوزيعه، لم تكن لهم علاقة سابقة بوسائل الإعلام الكلاسيكية مما سمح لهم بفرض رؤيتهم واتجاههم على السوق الإعلامي الجديد، ولا سيما أن هناك مبدأ عاما ساد طويلاً بين وسائل الإعلام يقول إن حرية الإعلام ملك للذين يملكون الوسائل لكن هذا المبدأ سرعان ما تغير مع انتشـار الإنترنت وثقافة النشر الشخصي وبذلك ارتفع سقف حرية التعبير والرأي بعد أن تراجع دور ''الرقيب'' وأخذ في التناهي والصغر.
غياب الرقيب وتنامي دور الفرد المتحرر من ضوابط الإنتاج وسياسات المؤسسة الكبرى أسهما في بروز إعلام المواطن وأسهما أيضاً في انعتاقه من تأثير الضبط أو الفكر الضابط الذي يحرك الفرد وفق الضبط المؤسسي المحيط والرقابة المفروضة والتي تتسبب في أن يتجاوز الفرد رأيه الشخصي من أجل الصالح العام أو من أجل ضوابط المؤسسة التي ينتمي إليها، وعلى العكس من ذلك حين يغيب تأثير الضبط ويتراجع دور المؤسسة الكبرى ويطفو على الساحة دور الفرد بوصفه باثاً ومتلقياً في آن واحد وهذا هو حال الإعلام الجديد الذي يسعى فيه الأفراد إلى جذب الاهتمام إلى أفكارهم وآرائهم ونزعتهم إلى نشرها والدفاع عنها بما يسمى ''تأثير الاستقطاب'' ومما يعزز هذا التأثير شعور الفرد - القائم بالاتصال بأنه المعني بالدرجة الأولى بالعملية الاتصالية.
وهذا التعبير الذي تحدث عنه الدكتور عبد الله الحيدري في كتابه (الإعلام الجديد.. النظام والفوضى) هو ما نلاحظه ونشهده في الشبكات الاجتماعية، فتحرر المستخدمين من السلطات كافة التي تقيد استخدامهم وترسم ملامحه جعلهم ينطلقون في مساراتهم الخاصة بل ربما جعل بعضهم يستغني عن القناة الرسمية إلى فضاء الإعلام الجديد، ولعل أبرز ما شهدته الساحة الإعلامية العربية أخيراً ما أذيع من انتقال الدكتور سلمان العودة من فضاء التلفاز إلى اليوتيوب، العودة صاحب برنامج الحياة كلمة الذي احتل المرتبة الأولى بين البرامج الحوارية الأكثر متابعة عربياً كما جاء في إحصاء شركتي (أبسيس وبارك) لعام 2009 واللتين قاما بعمل مشترك أجري على أكثر من ثمانية آلاف أسرة عربية لإحصاء مفضلاتهم في التلفزيون.
وانتقال برنامج له هذا الانتشار وحجم المشاهدة إلى يوتيوب يعكس مدى الثقة المتزايدة بقدرة الإعلام الجديد على تحقيق الانتشار، ولعل أبرز ما ييرر الثقة تسجيل الفيديو الدعائي للبرنامج أكثر من 225.395 ألف مشاهدة خلال يوم واحد فقط!
المفارقة الغريبة، أن السعودية تدخل هذا العام في قائمة الدول الأكثر فرضاً للرقابة بحسب لجنة حماية الصحفيين الدولية في الوقت الذي يتضخم ويتنامى عدد السعوديين المنضمين للشبكات الاجتماعية إذ يشكلون ما نسبته 38 في المائة من مستخدمي تويتر في العالم العربي متفوقين بعددهم على بقية الشعوب العربية.
إذاً، نحن أمام مفترق طرق للكثير من المؤسسات الإعلامية التي لا تزال تقلص مساحة الحرية في وقت بدائل الإعلام الجديد الحر.