حقل الدرة الكويتي ـ السعودي.. مرة أخرى

في مقال بعنوان (حقل الدرة للغاز والأطماع الإيرانية) منشور على جزأين في جريدة ''الاقتصادية'' الجزء الأول نشر بتاريخ 29/1/2012، والثاني بتاريخ 5/2/2012، تناولت الخلاف الذي نشب بين الكويت وإيران حول استغلال حقل الدرة للغاز الواقع في منطقة الجرف القاري التابعة للجزء الشمالي الذي انضم إلى الكويت من المنطقة المحايدة السعودية ــ الكويتية التي اقتسمتها السعودية والكويت بموجب الاتفاقية المبرمة بينهما بتاريخ 7/7/1965، واتفقتا بموجبها على أن تظل الثروات الطبيعية في كامل المنطقة المقسومة ملكاً مشتركاً للدولتين، وأن إيران أعلنت عزمها على أن تقوم منفردة باستغلال هذا الحقل القريب من الحدود البحرية بين إيران والجزء الشمالي من المنطقة المقسومة بذريعة عدم التوصل إلى اتفاق مع الكويت بشأن الاستغلال المشترك لهذا الحقل. ولقد فندت في مقالي السابق أسانيد الموقف الإيراني في ضوء مبادئ القانون الدولي، وأكدت مشروعية الموقف الكويتي الذي يصر على التفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين قبل الشروع في استغلال الحقل. وأن السعودية والكويت يجب أن يكونا طرفاً تفاوضياً واحداً إنفاذاً للاتفاقية الموقعة بين الدولتين بتاريخ 2/6/2000 بشأن تحديد الحدين الشمالي والجنوبي للمنطقة المغمورة المحاذية للمنطقة المحايدة المقسومة، حيث اتفقت الدولتان بموجب هذه الاتفاقية على أن تظل الثروات الطبيعية الكائنة في كامل المنطقة المغمورة سالفة الذكر ملكية مشتركة للدولتين وأن تكون الدولتان طرفاً تفاوضياً واحداً عند تعيين الحد الشرقي للمنطقة المغمورة أي عند تحديد الحدود البحرية بين هذه المنطقة وإيران.
لقد طرأ أمران يسترعيان الانتباه، الأول أن السعودية والكويت قررتا المضي قدماً في خطط لتطوير الجزء غير المتنازع عليه من حقل الدرة. وأفادت تقارير إعلامية منشورة بتاريخ 3/2/2012 بأن من المتوقع استكمال الأعمال الهندسية الأساسية والتصميم بحلول حزيران (يونيو) 2012، وأن من المتوقع أن تبدأ أعمال الحفر في عام 2013، كما نقلت تلك التقارير رأيا منسوباً لمحلل النفط الكويتي كامل الحرمي مفاده أن حقل الدرة يقع داخل المياه الإقليمية للكويت، ولا علاقة له بإيران.
ويبدو أن الإعلان عن اتخاذ هذه الخطوة من قبل السعودية والكويت جاء ردا على إعلان إيران عن عزمها على الشروع منفردة في تطوير واستغلال الجزء الذي تسيطر عليه من الحقل الذي تطلق عليه اسم (أراش). وأن الهدف من هذه الخطوة تأكيد الحقوق السيادية للدولتين العربيتين في منطقة الحقل، وأحسب أنه سيترتب عليها اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون أن يؤدي الحفر من الجانب الإيراني إلى التسرب الجوفي للثروات الغازية والنفطية الكامنة في الحقل إلى الجزء الذي تسيطر عليه إيران. والأمر الثاني أن الكويت أكدت مرة أخرى على لسان مصدر مسؤول في وزارة النفط الكويتية أن الحديث عن الاستثمارات المشتركة في الجرف القاري بين بلاده وإيران سابق لأوانه باعتبار أن المنطقة لم يتم ترسيمها بشكل نهائي، مؤكداً في الوقت نفسه أن الكويت والسعودية كطرف تفاوضي واحد على استعداد كامل وفوري للدخول في مفاوضات مع إيران لترسيم نهائي للجرف القاري. وجاء توضيح المصدر النفطي الكويتي رداً على تصريحات مدير شركة نفط الجرف القاري الإيرانية بشأن الاستثمار المشترك في حقل الدرة الكويتي ـ السعودي، وقد تمنى المصدر الكويتي أن يتريث الجانب الإيراني وألا يطلق أي تصريحات بهذا الخصوص قبل الانتهاء من عمليات ترسيم الحدود في الجرف القاري بشكل كامل.
ويبدو مما تقدم أن إيران عادت مرة أخرى للحديث عن الاستثمار المشترك لحقل الدرة ولكنها تريد الشروع في ذلك قبل تحديد وترسيم الحدود البحرية بينها وبين الكويت، وهو أمر غير مقبول لأنه إجراء أشبه بوضع العربة أمام الحصان، والعكس هو الصحيح والمطلوب. بمعنى أنه يتعين أولاً تحديد الحدود وترسيمها لأنه بعد تحديد الحدود سيتضح ما إذا كان حقل الدرة يقع بالكامل في منطقة الجرف القاري التابعة لدولة الكويت أم أن له امتدادا إلى ما بعد الحدود البحرية الإيرانية. فإن ظهر أن الحقل يقع بالكامل في منطقة الجرف القاري التابعة لدولة الكويت، فليس لإيران أي حق في المشاركة في استغلال ما يحتويه هذا الحقل من ثروات غازية ونفطية. وإن ظهر أن للحقل امتدادا إلى ما بعد الحدود البحرية الإيرانية، عندئذ يمكن التفاوض بين الأطراف المعنية حول كيفية التعاون لاستغلال هذا الحقل وتحديد حصة كل طرف.
والواقع أن الخلاف بين الكويت وإيران حول حدودهما البحرية المشتركة في منطقة الجرف القاري الواقعة بينهما له أسباب قديمة شرحتها الدكتورة بدرية عبد الله العوضي، أستاذة القانون الدولي العام في جامعة الكويت، في كتابها (القانون الدولي للبحار في الخليج العربي)، ونوجز هنا ما قالته في هذا الشأن، حيث أرجعت الخلاف إلى وجود جزيرة (فيلكا) الكويتية التي تبعد عن الساحل الكويتي بمسافة تسعة أميال أو أقل، وجزيرة (خارج) الإيرانية التي تبعد عن الساحل الإيراني بمسافة 17 ميلاً بحرياً وتتصل بالساحل الإيراني بواسطة أنابيب. وتريد إيران أن تؤخذ جزيرة (خارج) في الاعتبار عند تحديد حدود الجرف القاري مع الكويت وأن تعطي الأثر الكامل بمعنى أن تلك الجزيرة تعتبر الحد الخارجي لقياس امتدادها القاري، وليس الساحل الإيراني، كما ترفض إيران أن تعطي جزيرة فيلكا الكويتية أي أثر في تحديد الحدود، بالرغم من أن جزيرة فيلكا، كما سلف القول، تبعد عن الساحل الكويتي بمسافة تسعة أميال أو أقل، بينما جزيرة خارج تبعد عن الساحل الإيراني بمسافة 17 ميلاً بحرياً. أي أن إيران تريد أن توسع نطاق امتدادها القاري على حساب الكويت.
ويبدو أن الخلاف بين الدولتين حول كيفية تحديد حدودهما في منطقة الجرف القاري الواقعة بينهما ما زال قائماً، ولا جرم أن تصر الكويت على إنهاء هذا الخلاف قبل الحديث حول الاستغلال المشترك للثروات الطبيعية الكائنة في منطقة الجرف القاري.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي