النوم في العسل!
أعطني موظفاً لا يرتشى، أعطك مجتمعاً صحيحاً، قادراً على البناء، لكن لأن الرشوة أصبحت قاعدة وليست استثناءً، فالبضرورة يكون المجتمع هشاً ضعيفاً وغير قادر على البناء. والرشوة أنواع. يعتمد على الرشوة الصريحة بتقديم مبلغ من المال نظير إنهاء مصلحة ما، ونوع يأخذ شكل الهدايا حتى لو كانت هدية متواضعة أو كانت باهظة الثمن وهذه تحددها المكانة الاجتماعية للراشي والمرتشي معاً، وهي رشوة مقنعة، ونوع يأخذ شكل الوليمة، كأن يدعو الراشي إلى وليمة فاخرة على شرف المرتشي، كنوع من رد الجميل، وهي رشوة مقنعة أيضاً، والوساطة نوع من الرشوة، والمحسوبية نوع من الرشوة، والرشوة منتشرة في كل الطبقات، سواء كان ذلك في الطبقات الغنية التي تتعامل مع المشاريع الكبرى أو حتى في الطبقات الفقيرة عند موظفي الحكومة، وكل رشوة على قدر المصلحة التي تحققها.
لقد صدمتني دراسة قرأتها للباحث "خالد الحزيم" بجامعة "الملك سعود" عنوانها "الرشوة وأثرها على عملية التنمية في المجتمع العربي السعودي" وهي صادمة، لأنها تضع يدها على نقاط ضعف خطيرة في المجتمع المسلم الذي وضع له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحذيراً شديد اللهجة، واضحاً صريحاً ولا يبحث عن شرح. فقد قال الرسول الكريم في حديث شريف: "الراشي والمرتشي في النار"، ولا أظنه حديثاً مهجوراً لا يعرفه الجميع سواء في الطبقات العليا من المجتمع أو في الطبقات الدنيا.
الرشوة إذن مرفوضة من الأساس، لكن - ومع الأسف - ما دامت قد أصبحت قاعدة وليس استثناء "فمن الضروري البحث عن أسباب تفشيها في المجتمع، ومردودها عليه.
وكما يقول الباحث "خالد الحزيم" إن من أسباب انتشار الرشوة تدني الأجور وانخفاض مستوى المعيشة، في الوقت الذي تقفز فيه الأسعار بجنون، ولا يكون أمام الموظف الفقير إلا قبول الرشوة حتى يستطيع تلبية متطلبات حياته، وإذا كان هذا يحدث في الطبقات الدنيا عند موظف الحكومة، فإنها تتردد عند رجال الأعمال بصورة أشد، لما لها من تأثير خطير في عملية التنمية بعد أن ظهرت مشاريع أقل ما يقال عنها إنها فاسدة لأنها لا تقوم على أسس صحيحة، وذلك عن طريق الغش والتلاعب في المواصفات، والطريق إلى ذلك هي الرشوة.
والكلام كثير في هذه القضية الخطيرة، من فقدان الثقة في النظام الاجتماعي إلى فقدان الشعور بالانتماء إلى هروب رؤوس الأموال من الاستثمار في البلد، فالاستثمار يحتاج إلى مناخ نظيف، وعشرات الأمور التي تترتب على آثار الرشوة.
إنني فقط ألفت نظر المسؤولين إلى قراءة هذه الدراسة باهتمام حقيقي .. "بدلاً من النوم في العسل".