الحظر النفطي المتبادل.. والتهديد الإيراني

منذ سنوات عدة فرضت الولايات المتحدة حظرًا على استيراد النفط من إيران، ومنعت مواطنيها وشركاتها من الاستثمار في قطاع الطاقة الإيراني، وذلك ضمن العقوبات الاقتصادية العديدة التي قررتها ضد إيران بهدف إجبارها على الرضوخ للمطالب الدولية بشأن الرقابة الدقيقة على برنامجها النووي للتأكد من سلميته. وتضامنًا مع الولايات المتحدة في تشديد العقوبات الاقتصادية ضد إيران، فرضت دول الاتحاد الأوروبي بتاريخ 23/1/2012 عقوبات اقتصادية جديدة ضد إيران، منها الحظر على جميع العقود الجديدة المتعلقة بشراء واستيراد ونقل النفط الخام والمنتجات النفطية من إيران، على أن يتم إنهاء العقود القائمة بحلول الأول من تموز (يوليو) 2012.
ردًّا على القرار الأوروبي قررت إيران بتاريخ 19/2/2012 وقف بيع النفط للشركات النفطية الفرنسية والبريطانية. كما وجهت إنذارًا إلى دول أوروبية أخرى مثل إيطاليا وإسبانيا والبرتغال واليونان وهولندا بقطع صادرات النفط عنها إذا لم تبرم معها عقودًا طويلة الأجل لشراء النفط، لكن المفوضية الأوروبية أعلنت أن القرار الإيراني لن يكون له تأثير كبير؛ لأن الأوروبيين في طور تغيير مزوديهم بالنفط، كما أعلنت أن لدى دول الاتحاد الأوروبي مخزونًا نفطيًّا يكفي نحو 120 يومًا. وانتقدت الصين إيران لوقفها بيع النفط الإيراني لشركات بريطانية وفرنسية داعية لبذل جهود جديدة للحوار لإنهاء المواجهة المتصاعدة بشأن البرنامج النووي الإيراني.
ولعل هذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها العلاقات الدولية حظرًا نفطيًّا متبادلاً بين بعض المصدرين والمستوردين، لكن القرار الإيراني بقطع إمدادات النفط عن بعض الدول الأوروبية لا يعدو أن يكون قرارًا رمزيًّا لحفظ ماء الوجه. فالقرار يمنع بيع النفط لدول قررت من قبل الامتناع عن شرائه، فهو من قبيل تحصيل الحاصل. وكشفت صحيفة ''فايننشيال تايمز'' البريطانية عن أن إيران تبذل جهودًا مستميتة من أجل العثور على مشتر لنحو ربع صادراتها السنوية من النفط الخام بعد أن بدأت العقوبات الغربية التي تستهدف البرنامج النووي للبلاد في التأثير سلبًا في ثالث أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم.
ووفقًا للصحيفة، قال مسؤولان تنفيذيان في صناعة النفط إن طهران تسعى إلى بيع 500 ألف برميل إضافية من النفط يوميًّا، أو نحو 23 في المائة مما صدرته العام الماضي لمصافي تكرير صينية وهندية.
وأضافت أنه ''إذا أخفقت إيران في إيجاد مستهلكين بحلول منتصف آذار (مارس) المقبل لكمية النفط التي تعادل ما اشترته مصافي التكرير الأوروبية العام الماضي، فستكون البلاد مجبرة على وضع النفط غير المباع في خزانات عائمة في الناقلات العملاقة أو خفض الإنتاج، وهو ما يؤدي أي منهما إلى دفع أسعار النفط للارتفاع بشكل أكبر''. لقد ارتفعت فعلاً أسعار النفط منذ هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز، وازدادت ارتفاعًا بعد التهديدات الإسرائيلية بشن ضربة وقائية ضد إيران وتلويح نائب قائد الجيش الإيراني الجنرال محمد حجازي بأن بلاده قد تشن هجومًا وقائيًّا على (أعدائها) إذا أيقنت أنهم قرروا ضربها، فدب الهلع في الأسواق الدولية من نشوب حرب في الشرق الأوسط تؤدي إلى انقطاع إمدادات النفط، فبعد أن كان سعر النفط يراوح بين 100 و105 دولارات، وصل سعر سلة خامات أوبك إلى (121.70) دولار للبرميل يوم الجمعة 24/2/2012، بينما ارتفع سعر مزيج خام القياس الأوروبي (برنت) فوق مستوى 124 دولارًا للبرميل، بينما ارتفع سعر عقود النفط الخام الأمريكي الخفيف لتسليم شهر نيسان (أبريل) إلى 108.56 دولار أمريكي، ثم أخذت الأسعار بعد ذلك تتذبذب صعودًا وهبوطًا وفقًا لتطورات المسألة الإيرانية. ومن جهة أخرى، حذرت الولايات المتحدة إسرائيل من التصرف بمفردها ضد إيران من دون التنسيق المسبق معها، وأن الولايات المتحدة ترى أن العقوبات الاقتصادية ضد إيران بدأت تعطي ثمارها. وفي سبيل تهدئة أسواق النفط صرح وزير الخزانة الأمريكي تيموثي جايتنر بأن بلاده تدرس الظروف التي قد تسوغ استخدام الاحتياطي النفطي الأمريكي، مشيرًا إلى وجود مصادر بديلة للإمدادات من السعودية وغيرها للمساعدة على تعويض انخفاض الصادرات النفطية الإيرانية. ومن ناحية أخرى، أكدت السعودية مرة أخرى قدرتها على تأمين إمدادات نفطية إضافية إلى الأسواق الدولية عند الحاجة، حيث قال الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز، مساعد وزير البترول والثروة المعدنية لشؤون البترول، في تصريح نشرته الصحف بتاريخ 24/2/2012، إن الشاغل الرئيس للسعودية هو توفير إمدادات نفط كافية في السوق العالمية، وإن فائض الطاقة الإنتاجية للمملكة يبلغ 2.5 مليون برميل يوميًّا، بينما يبلغ الإنتاج السعودي حاليًا 9.8 مليون برميل يوميًّا.
وتفيد التقارير الإعلامية بأن الحصار المصرفي الغربي والضغوط الأمريكية أدتا إلى خفض الصادرات النفطية الإيرانية إلى الصين وشرق آسيا، وأن عددًا من الدول الآسيوية بدأت تتجه نحو زيادة وارداتها النفطية من السعودية ودول خليجية أخرى. ونقلت وسائل الإعلام خبرًا مفاده بأن مسؤولاً كبيرًا في شركة النفط الأنجولية المملوكة للدولة والمعروفة باسم (سونانجول) قال إن الشركة انسحبت من مشروع للغاز الطبيعي في إيران بقيمة 7.5 مليار دولار، وأبلغت الحكومة الإيرانية أنها لم تعد تستطيع العمل في إيران بسبب العقوبات الاقتصادية الدولية.
ويرى بعض خبراء النفط أن إيران قد تلجأ إلى تخفيض أسعار نفطها بشكل كبير لإغراء الدول الأخرى بشرائه.
تجدر الإشارة هنا إلى أن قادة إيران هم الذين كانوا يهددون من قبل بربط تجارة النفط ببرنامج بلادهم النووي، وأسوق على ذلك مثالاً بتصريح علي لاريجاني في 20/9/2005 عندما كان يشغل منصب كبير المفاوضين الإيرانيين في المسألة النووية، المتضمن نية بلاده الربط بين تجارتها النفطية في العالم وموقف دول العالم من ملف برنامجها النووي، حيث قال: ''إن الدول التي لها علاقات تجارية مع إيران، خاصة في مجال النفط، لم تدافع عن حقوق إيران حتى الآن، وإن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني مصمم جدًّا على خلق التوازن بين هاتين المسألتين''.
والدول الغربية حققت بطريقتها ما كان يهدد به المسؤولون الإيرانيون، فربطت ربطًا وثيقًا بين استيراد النفط الإيراني والمسألة النووية الإيرانية، هذا ما كان قادة إيران يستعجلونه، فلما جاءهم ما كانوا يستعجلون إذا هو حظر نفطي أليم وحصار اقتصادي خانق، أدى إلى أن يفقد الريال الإيراني 60 في المائة من قيمته، وأدخل إيران في شبه عزلة دولية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي