استغلال الموارد الطبيعية في الأراضي المحتلة (2 من 2)
استعرضنا في المقال السابق بعض الثروات والموارد الطبيعية في الأقاليم العربية التي رزحت أو لا تزال ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي، والتي قامت إسرائيل بسرقتها أو ما زالت تسرقها وتستنزفها، واستكمالاً لما سبق، نشير إلى خبر نشرته جريدة "الحياة" في عددها الصادر بتاريخ 31/12/2012، مفاده بأن مجموعة من الخبراء والباحثين والأساتذة الجامعيين الإسرائيليين في القانون الدولي قدمت عبر منظمة "يش دين" (يوجد عدل) اليسارية المناهضة للاحتلال الإسرائيلي، رأيًا قانونيًّا إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية يطعن في قرار الأخيرة إضفاء الشرعية على استغلال إسرائيل الموارد الطبيعية في الضفة الغربية المحتلة لمصلحتها من خلال تمكين الكسارات الإسرائيلية شرق مدينة القدس المحتلة من مواصلة عملها، ونقل 94 في المائة من إنتاج هذه الكسارات إلى داخل إسرائيل. ورأى الأساتذة أن قضاة المحكمة العليا أخطأوا في تفسير القانون الدولي المتعلق بصلاحيات دولة الاحتلال في إدارة ممتلكات عامة في أرض محتلة.
وكانت المنظمة المذكورة قد تقدمت إلى المحكمة بطلب النظر مجددًا بهيئة موسعة في الالتماس الذي قدمته قبل عامين ضد عمل الكسارات الإسرائيلية ونهب إنتاجها، وشددت على أن القانون الدولي يحرم استغلال دولة احتلال مقدرات الأراضي التي تحتلها لمصلحتها، كما يحظر أي عمل من شأنه أن يؤثر في الطبيعة الديموغرافية للأراضي المحتلة. وكانت رئيسة المحكمة العليا دوريت بينيش كتبت في تبريرها مواصلة عمل الكسارات الإسرائيلية بأنه (تجب ملاءمة القانون الدولي مع المستجدات على أرض الواقع) في إشارة إلى أن الكسارات تعمل منذ 40 عامًا. كما قبلت بادعاء ممثلي النيابة العامة بأن الفلسطينيين يستفيدون من عمل الكسارات، وأن إغلاقها أو وقف عملها سيضر بالفلسطينيين وبمشغلي الكسارات على حد سواء، مضيفة أن عمل الكسارات يتيح إقامة مشاريع اقتصادية لمصلحة سكان منطقة الكسارات. وتجاهلت المحكمة حقيقة أن إسرائيل تسرق 94 في المائة من إنتاج الكسارات إلى أراضيها، وأن الكسارات في الأراضي الفلسطينية تغطي ربع احتياجات الاقتصاد الإسرائيلي من المواد الخام. كما تجاهلت حقيقة أن المستفيدين من عملها من الفلسطينيين هم عمال قلائل. كذلك قبلت المحكمة بادعاء النيابة بأن الأراضي المقامة عليها الكسارات ليست مملوكة لأحد.
وهنا لنا وقفة للتعليق فنقول إن المحكمة العليا الإسرائيلية دأبت على إصدار قرارات تسوغ ممارسات سلطات الاحتلال، على أساس أن الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية فوق أي اعتبار، ولعل أوضح مثال على ذلك أن هذه المحكمة دافعت عن إقامة الجدار الفاصل الذي أقامته إسرائيل في قلب الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 متذرعة في ذلك بمتطلبات الأمن الإسرائيلي، ضاربة عرض الحائط الرأي الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية عام 2003، الذي اعتبر هذا الجدار غير مشروع طبقًا لأحكام القانون الدولي. ولذلك لم يكن غريبًا أن تبرر المحكمة الإسرائيلية العليا استغلال دولة الاحتلال الموارد الطبيعية في الأراضي المحتلة رغم أن قواعد القانون الدولي العام التي لا تجيز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، وتعتبر الاحتلال العسكري جريمة ضد السلام لا تجيز أيضًا لدولة الاحتلال أن تستغل وتستنزف الثروات والموارد الطبيعية في الأراضي المحتلة، وتحمل دولة الاحتلال مسؤولية التعويض عما لحق بهذه الثروات والموارد من استنزاف وإضرار، وأشير في هذا الصدد إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة، أصدرت مجموعة من القرارات التي تؤكد حق الشعوب وسيادتها على الموارد والثروات الطبيعية، من ذلك مثلاً القرار رقم (31175) الصادر في 17/12/1973، الذي أكد حق الشعوب العربية الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي في السيادة الدائمة على جميع مواردها الطبيعية واستعادة هذه الموارد مع الحصول على تعويض عن نهبها واستغلالها والأضرار التي قد تلحق بها. كذلك القرار رقم (3336) الصادر في 17/12/1974، الذي أكدت فيه الجمعية العامة حق الدول، والأقاليم والشعوب العربية الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي في السيادة على جميع مواردها وثرواتها وحقها في استعادتها، والحصول على التعويض عن كل ما يلحق بها من أضرار وخسائر، كذلك القرار رقم 31/186 وتاريخ 21/12/1976 الذي أكدت فيه الجمعية العامة مرة أخرى حق الدول والشعوب العربية، التي تقع أراضيها تحت الاحتلال الإسرائيلي، في استعادة السيطرة الكاملة والفعلية على مواردها الطبيعية وسائر مواردها الأخرى وأنشطتها الاقتصادية، وكذلك حقوق هذه الدول والأقاليم والشعوب في استرداد مواردها الطبيعية وسائر مواردها الأخرى وأنشطتها الاقتصادية، والحصول على تعويض كامل عما تعرضت له هذه الموارد والأنشطة من استغلال وخسارة واستنزاف وضرر، كذلك القرار رقم (32/161) الصادر في 19/12/1977 الذي أكد أن جميع التدابير المتخذة من قبل إسرائيل لاستغلال الموارد الإنسانية والطبيعية وغيرها، هي تدابير غير مشروعة.
أخيرًا تجدر الإشارة إلى حادثة ذات دلالة في هذا الشأن تناقلتها بعض الصحف في 28/3/2010، وهي أن نائب رئيس الحكومة اليونانية ثيوطوروس بأنجلوس أعاد للسفير الإسرائيلي في أثينا هدية عيد الفصح؛ لأنها مسروقة من هضبة الجولان السورية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، وجاء في رسالة المسؤول اليوناني المذكور إلى السفير الإسرائيلي ما يلي (مع الأسف لاحظت أن النبيذ المرسل إليَّ، هو من إنتاج مرتفعات الجولان، ولقد علموني من صغري ألا أسرق ولا أقبل بضاعة مسروقة، لذا لا يمكنني قبول هذه الهدية وعليَّ إعادتها لك، وكما تعلم فإن بلدكم تحتل بصورة غير شرعية، مرتفعات الجولان التي تعود إلى سورية).