التطرف الرياضي
أربع أزمات في الصميم تلقتها كرة القدم السعودية طوال العقد الماضي إلا أنها لم تحسن التعامل الاحترافي معها بالشكل المطلوب، فالأولى ثمانية ألمانيا الشهيرة، والثانية والثالثة بعد الخروج من الدور الأول في ''آسيا'' 2004 و2011، أما الرابعة فمرارة الخروج المبكر، وضياع حلم التأهل لكأس العالم 2014 أمام أستراليا.. الغريب أننا أصبحنا أمام أزمة تتلوها أزمة وبتنا مستسلمين وعاجزين كمن ألقي في النهر مكتوف اليدين وحُذِّر من أن يبتل بالماء، فيا تُرى لماذا لم ننجح في إدارة هذه الأزمات لإنقاذ سفينة كرتنا؟
الوقود الحقيقي لاشتعال هذه الأزمات يتمثل في التشخيص الخاطئ لمشكلات كرة القدم لدينا، على الرغم من أن التشخيص نصف العلاج كما هو شائع، فما إن تقع الأزمة إلا ويأتي المسكن الوقتي المتمثل في إبعاد مدرب أو لاعب أو تشكيل لجنة أو تقديم استقالة وهلمّ مسكِّناً.. وذلك كردة فعل سريعة للآراء المتسرعة والعاطفية التي لا تقود إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع!
سأركز في حديثي على الضربة الرابعة التي تلقاها المنتخب، فمع إيماني الكامل بأن المسؤولية مشتركة بين عدة أطراف تتحمل ضياع حلم التأهل، من اتحاد كرة بمنظومته المتكاملة من لجان ولوائح وتنظيمات وبرمجة وأجهزة فنية وإدارية ولاعبين إلا أن ''اختزال'' هذا التعثر وإسقاطه على طرف واحد يعقِّد القضية أكثر من أن يسهم في إيجاد حلول منطقية.
نقاد هذا الاختزال - إن جازت التسمية - وجدوا الفرصة مناسبة أمامهم لتفريغ شحناتهم السطحية وأوصافهم المحبطة لتأليب الشارع الرياضي على جهة ما دون أن يكلفوا أنفسهم عناء تقديم رؤية رياضية مقنعة، وعلى هذا الأساس الهش انطلقت سهامهم في الغالب نحو اللاعبين، كبش الفداء الوحيد، فجيل الملايين بات جيل النكسة والخيبة والنكبة وقصات الشعر والماركات، بل آن لهم أن يرحلوا غير مأسوف عليهم، ولو تم تشكيل فريق من الحواري لاستطاع هزيمة المنتخب، والمدرب الهولندي القدير الذي تم التعاقد معه بهدف الاستقرار الفني هو الآخر لا يفقه في عالم التدريب.
أي تطرف رياضي يوازي هذا التطرف؟ وما المكتسبات من آراء منفعلة وسطحية كهذه؟ وماذا لو سرنا على خط هذا التسطيح فوصفنا جيل زيكو وسقراط بجيل النكسة لمجرد عدم تحقيقهم كأس العالم؟ أو أطلقنا على ميسي الأرجنتين ورفاقه جيل الخيبة؟ أو ألغينا البرازيل من خريطة كرة القدم بمجرد غيابها 20 عاماً عن تحقيق كأس العالم؟
في هذه الحالة لن تستطيع أن تخرج من مأزق هذه المسميات والفرضيات الشتائمية إلا عبر الاستنارة بآراء من الاتجاه التنويري المعاكس والقليل جداً، فما رأيكم فيما قاله خبير ''فيفا'' ماجد عبد الله عندما قدم وباختصار رؤية فنية ربط فيها بين تفوق الكرة السعودية والمدرسة البرازيلية؟
بالتأكيد لن تملك مع هذا الموجز الفني الهادئ إلا أن تقترب من جزء مهم من المشكلة، فالإنجازات السعودية ارتبطت روحياً بالنهج البرازيلي إلا فيما شذ والشاذ لا يقاس عليه! ثم ألا يضع هذا الرأي المسؤولين أمام مناقشة جدوى الاستمرار في كنف المدرسة الأوروبية التي لا تقدم شيئاً يذكر لكرتنا؟
لست في معرض المقارنة بين رأي و''لا رأي'' هنا، فشتان بينهما، ولست أيضاً ممّن يقلل من فداحة الخروج، لكن في هذا المقام يجب أن نقدم ما يثري لتنوير المنتخب بسلبياته ورسم آفاقه المستقبلية، فالقرار الرياضي لدينا يتأثر ويهتز من وقع أسنة الأقلام الإعلامية وأصحاب الصوت العالي، ومن المؤسف أن يركب موجة هذه الآراء القاصمة لجيل كامل رياضيون وإعلاميون تبنوا تقديم طرح إنشائي يتيه عن تلمس مكامن الخلل الرئيسة، وبالتالي فهو لا يقدم - في رأيي- إلا قراءة خادعة للمسؤولين وانطباعاً مشوشاً عن واقع الرياضة السعودية، وحتماً سيكون تأثير ذلك كبيراً في مستقبلنا الرياضي.
على خلفية آراء غير مقنعة كهذه ألا تعتقدون أن الوقت قد حان لأن يفكر الاتحاد السعودي بشكل جدي في تأسيس مجلس استشاري رياضي يضم خبراء الكرة لدينا.. على الأقل سنضمن أفكاراً وآراء ومقترحات وجيهة، ونحصِّن القرارات الرياضية من أجندات الميول والتعصب والأهداف الخاصة؟!