التشغيل والصيانة والتخفيف من البطالة

لكل عمل نهاية، وكل نهاية هي بداية أخرى، وقد يبدو لنا أن نهاية المطاف في أي مشروع هندسي هي مراسم تسليم المشروع، إذ إن الأعمال الهندسية جميعا تنتهي بتسلم مفاتيحها، لذا فإنه من الممكن أن نعتبر المفتاح عنصر التحكم في تلك الأعمال الهندسية، وتسلميها لمالكها يعد إيذانا بانتهاء فترة الصناعة أو الإنشاء. فصناعة السيارة تنتهي بإعطاء المالك مفتاحا صغيرا يقوم بتشغيلها، وكذا المباني يعطى للمالك مفاتيح المبنى وكتيبات التشغيل.
لكن الحقيقة أننا في المشروعات الإنشائية نعيش فجوة بين التشغيل والصيانة وإنهاء أعمال الإنشاء، وذلك أننا لا نفكر في التشغيل إلا بعد انتهاء أعمال الإنشاء ونبحث عن شركات تعمل على استقدام فنيين لأعمال التشغيل وتسلم مفتاح العمل.
ومع النهضة العمرانية التي تعيشها المملكة اليوم ومشاريعها الكبيرة في جميع المجالات يستلزم الأمر أن نفكر بشكل كبير في التشغيل والصيانة، ذلك أن المشاريع الإنشائية تتطلب لتشغيلها مهندسين وفنيين وإداريين في كل أقسام المبنى كي يتم تشغيل المبنى وصيانته، وهي من العمليات المستمرة طوال عمر المنشأة لا كالإنشاء ينتهي بانتهاء المشروع، ويجب الإعداد لها قبل وقت كبير من انتهاء أعمال الإنشاء.
ولذا فإني أطرح فكرة استحداث عقد تدريب ثلاث سنوات ويمكن أن يكون بالتعاون مع مؤسسة التدريب الفني لتدريب الكوادر الهندسية والفنية والإدارية الوطنية مع أي مشروع إنشائي كبير، وذلك بغية ردم هذه الفجوة التي تحدث حال انتهاء أي مشروع إنشائي، إذ إن الواقع الذي يحدث الآن أنه بعد انتهاء أعمال الإنشاء يتم طرح عقد التشغيل والصيانة والبحث عن كوادر في أصقاع العالم لتشغيل النظم الموجودة في المنشأة، وقد يكون هذا الوافد لم ير في حياته مثل هذه المنشأة، فضلا عن أنظمتها وكيفية تشغيلها، وبعد أن يتم تدريبه مع ما يحدثه من أخطاء من جراء عدم معرفته المسبقة بهذه النظم ولينتهي عقد الشركة بعد ثلاث سنوات عندها يذهب إلى دول أخرى مع شهادة الخبرة التي اكتسبها لدينا فكأننا أصبحنا محطة تدريب وتأهيل الوافدين.
ولذلك فإن فكرة طرح عقد تدريب منتهي بالتوظيف يعود على الاقتصاد الوطني بالنفع الكبير من خلال:
● الاستفادة المباشرة من المنشأة وعدم التريث لحين وصول هذه الكوادر غير المؤهلة وتدريبها الذي يستغرق في الغالب ستة أشهر كمباني المستشفيات.
● طول عمر المنشأة ذلك أن التدريب قبل بدء التشغل للمنشأة ومعرفة كل النظم واختبارات التشيغل مع الشركات الصانعة يعد أهم عنصر في إطالة عمر الأنظمة.
● تأهيل الشباب المتطلع للعمل في مثل هذه المنشآت الكبيرة وإعطاؤه التدريب المنتهي بالوظيفة، ما يخفف من حدة البطالة.
● إلزام الشركات الموردة للأنظمة بعمل دورات تدريبية في بلد المنشأ قبل توريد هذه النظم، ما يجعل معرفة المتدربين أكثر فائدة من التدريب بعد التركيب.
● إتاحة فرص عمل كبيرة للشباب بالعمل في المشاريع التي تنشأ في مدنهم.
إن الاهتمام بالتشغيل والصيانة للمبنى في تصوري أهم بكثير من إنشاء المبنى ذاته، وإن انتهاء أعمال الإنشاءات يمثل بداية العمل الهندسي الحقيقي للمبنى، حيث إنه يعد بداية لمرحلة أخرى، وهي أعمال التشغيل والصيانة واكتشاف العيوب والأخطاء. لذا فإن تسليم المفتاح في المشاريع هو بداية طريق آخر ربما يكون أكثر مشقة على المهندسين والفنيين من إنشاء العمل وصناعته. التشغيل السليم والصيانة الدورية هما درهما الوقاية، وكما هو ومعلوم أن درهم وقاية خير من قنطار علاج فكيف بدرهمين من تقدم من خلال أبناء الوطن؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي