نحن بدونك ... لا شيء
خرجت من ذاك المكان يوم الجمعة الماضية .. وكأني أنُتزعت من حضن أبي ، وكأنهم يريدون حرماني عن عمد من الجلوس بحضرته والاستماع إليه، خرجت وأنا تملؤني الفرحة بأني إلتقيته أخيراً لأخبره بلا كلام عن قديم الأحلام .. وعن شوقي لأبي الذي رحل منذ سنين وأعوام ، ولأبلغه تحايا مخلصة من سيدات جدة ودعاءهن له بالسداد والصحة والعافية.
وفي مشهد لن أنساه وقد لا يتكرر، قابلت أبي وأب الجميع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ، مع لفيف من سيدات ورجالات اللقاء الوطني التاسع للحوار الفكري الذي عٌقد في حائل تحت عنوان (الإعلام السعودي الواقع وسبل التطوير..المنطلقات والأدوار والآفاق المستقبلية). حضر معنا مايقرب من السبعين مواطنين ومواطنات وعبروا خلال يومين متتاليين عن رأي شريحة متنوعة من الوطن، وتناولوا حرية التعبير والمسئولية وناقشوا الإعلام الجديد وما يدور حولنا في العالم.
وجه إلينا الخطاب ملكنا الغالي بأريحيته المعهودة وبروح أبوية قائلاً : أنا من دون شعبي لاشيء " وفي داخلي كنت أردد: "ونحن بدونك يا أبي... لا شيء". تكرّم بتوجيهنا إلى الصبر قائلاً: "المرأة أمي وأختي وبنتي وزوجتي"، وودت ساعتها لو يعي مقولته كل رجال الدنيا. وكرر حفظه الله "أنه ليس بالخطيب " ، وكنت أهتف بداخليٍ: "توجيهاتك يا أبي خارطة طريق راشدة لمستقبلنا" . استغرقنا الـ 4 ساعات من وقت المغادرة لقصر الضيافة والمؤتمرات بالناصرية إلى حين لقاءه حفظه الله ثم العودة مرةً أخرى إلى مقر ضيافتنا. وترحل إلى مخيلتي ذكرى الثلاثة أيام في شريط متسارع، وأنا في طريق العودة إلى جدة. ويظل يغمرني احساس راقٍ بالجدوى والتقدير والكينونة وهبني إياها لقاء ملك. تعزز لدينا هذه اللقاءات كمواطنين ومواطنات أواصر التكاتف والجسد الواحد ، وتغرس في قلوبنا الولاء والامتنان ما حيينا .
ربما أكون ممن أسعدهم الحظ وغمرهم الشرف أن شاركت في اللقاء ، فقد استمعت كغيري من النساء لتوجيهات القيادة في أوج هيبتها وتواضعها ، ولأني إمرأة عادية أحاول كغيري ترك بصمة وصنع شيء للأجيال القادمة ، ولربما كانت الكتابات والمواقف هي السبب في منحي هذا الشرف، إلا أني في النهاية إمرأة كأغلب نساء بلادها ، تعود إلى بيتها وأولادها وزوجها لتحكي لهم عن حنو أب وعظمة ملك ، وكيف أن انجازاته قد إمتدت لتحقق للنساء باختلاف أدوارهن ، ما يرتقي بمكانة المرأة السعودية.
عدت إلى بيت ينتظرني بعد هذه التجربة المميزة، وأنا أعلم أن أولادي يشتاقون لسماع التفاصيل.. ووقفت في ركن مطبخي أفكر كيف أن المرأة على اختلاف أدوارها تظل تحمل مسؤولية إدارة شؤون بيتها وإطعام أهله ، ولأنني كنت مزهوة وفي نفس الوقت يملؤني الحمد والخضوع لله، كانت الأكلة الأساسية التي ستوازي سعادتي بالعودة بعد إنجاز مهيب ... هي الملوخية ، نعم الملوخية. أريدكم أن تتأكدوا أن يدي التي تصنع الطعام هي ذات اليد التي سلّمت على ملك شامخ ٍ بقامة عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله ، فهذا اللقاء بكل ما فيه يساند دوري كأمٍ رؤوم تربي جيلاً يحترم ويقدّر المرأة ، هذا اللقاء يزيد من إمتناني لزوجي على مشاركتي مسيرة الحياة ، هذا اللقاء يجعلني أحمد لوالديِّ وأترحم عليهما أن منحاني فرصةَ التعلم والكينونة مثلي مثل أخي الولد، هذا اللقاء يعزز دوري كموظفة تسعى للتميز والإنجاز رغم كل التحديات لتشارك في نهضة الوطن، هذا اللقاء هو عهد غير مشروط، يدفعني للمزيد من مساندة حقوق الضعيفات من النساء، والكتابة .. الكتابة .. الكتابة.. حتى تتفتح الأفكار كالزنبق في أذهان غير العارفين ، وحتى تنضج السلوكيات البشرية فلا تصبح الفضيلة مستحيلة. هذا اللقاء ياسادة يعزز أدوار المرأة كلّها وتصفق لها كلمات ملك عظيم ، لأنه يرسم خطواتها بتوجيهاته الحكيمة . وسيخلد الزمن أنا كنا في يوم ما ... أمامه نتعلم منه حفظه الله ، "قوارير" لا تخشى الغبن أو تخاف من المجهول.
فالحمد لله الذي أعزّنا بعزة ملكٍ شامخ ، والشكر الجزيل لجهد منسوبي ومنسوبات مركز الملك عبدالعزيز للحوارالوطني بقيادة معالي الأمين العام الأستاذ فيصل المعمر، والدكتورة وفاء حمد التويجري وكل الفريق العامل معهم، فالانجاز كالمعهود منهم رائع ، وحوارنا كان مثمراً وماتع ، وآمالنا تفوق الوصف وستتجاوز بالتأكيد حدود الأفق الشاسع .
والعهد لك يا ملك قائم ..
أقسم أني سأكون الأم والأخت والزوجة والإبنة التي تفخر بها ..
سأكون المرأة التي تقود جيلاً نحو التميز ..في أي مجال ٍكانت تعمل .
يا أبي نحن بدونك لا شيء .. لا شيء.. لا شيء.
أعزك الله وأعز الاسلام بك .
دعاءنا لك موصول ... سلمكّ الله من كل مكروه .
وألبسك دوماً لباس العافية.