استغلال الموارد الطبيعية في الأراضي المحتلة (1 من 2)
في عددها الصادر بتاريخ 12/10/2011م نشرت جريدة (الأهرام) المصرية خبرًا مفاده أن عاملاً مصريًّا يعمل حارس عقار في إحدى ضواحي العاصمة الأردنية (عمان) وقف أمام محكمة أردنية يدافع عن نفسه دفاعًا بليغًا عندما اتهمه إسرائيلي بسرقة محفظة نقوده التي تحوي 80 دينارًا أردنيًّا، وأن العامل المصري رد الاتهام قائلاً للإسرائيلي (أنتم الذين اعتدتم السرقة، لقد سرقتم وطنًا بكامله)، ثم تبين للمحكمة عدم صحة الاتهام فأصدرت حكمها ببراءة العامل المصري.
ومن البدهي أن من يسرق وطنًا بكامله لا يتورع عن تزوير التاريخ وسرقة تراث هذا الوطن وآثاره وموارده الطبيعية، ويكفي أن نشير في مجال التراث إلى الإجراءات والأنشطة الإسرائيلية الهادفة إلى تهويد القدس، والاعتداءات المتكررة للجنود والمستوطنين اليهود على المسجد الأقصى، الأمر الذي دفع منظمة ''اليونيسكو'' إلى إدراج القدس ضمن التراث العالمي المعرض للخطر، وبلغت وقاحة الصهاينة إلى حد الادعاء أن الأكلات الشامية الشعبية مثل الفلافل والحمص والتبولة، هي أكلات يهودية، وأن الرقصة الشعبية المعروفة باسم الدبكة في بلاد الشام هي من التراث الفني اليهودي، ولسنا هنا بصدد تفنيد المزاعم الإسرائيلية في مجال التاريخ والتراث، إنما نود هنا أن نلقي بعض الضوء على سرقة إسرائيل الموارد الطبيعية في الأراضي المحتلة، مشيرًا في البداية إلى سرقة مياه الأنهار العربية القريبة من الحدود الفلسطينية مثل مياه نهر الأردن ونهر اليرموك ونهر الليطاني اللبناني، وسرقتها أيضًا المياه الجوفية في الأراضي الفلسطينية وغيرها من الأراضي العربية المحتلة ونقلها إلى داخل إسرائيل أو إلى المستعمرات اليهودية المقامة على الأراضي الفلسطينية، التي تعد بموجب قواعد القانون الدولي العام مستعمرات غير مشروعة. وطبقًا لتقديرات بعض الباحثين تستولي إسرائيل على ما يزيد على 500 مليون متر مكعب من المياه الفلسطينية سنويًّا، في حين لا يحصل الفلسطينيون إلا على 70 مليون متر مكعب تقريبًا. ودأب الجنود والمستوطنون اليهود على تدمير مصانع ومزارع الفلسطينيين وسرقة أشجار الزيتون التي يتجاوز عمرها 100 عام، ونقلها إلى داخل إسرائيل. يضاف إلى ذلك منع إسرائيل الصيادين في قطاع غزة من الصيد البحري إلا ضمن مسافة ثلاثة أميال بحرية، على الرغم من أن اتفاقات أوسلو ضمنت مسافة صيد بعمق 20 ميلاً بحريًّا، أي أن إسرائيل لا تكتفي بسرقة الموارد الطبيعية الفلسطينية، بل تحرم الفلسطينيين من الانتفاع من بعض مواردهم وتسد أمامهم أبواب الرزق والعيش الكريم. وعندما كانت شبه جزيرة سيناء المصرية تحت الاحتلال الإسرائيلي سرق الإسرائيليون مواردها الطبيعية مثل النفط والمعادن. وقررت المادة الثامنة من اتفاقية (السلام) المصرية - الإسرائيلية إنشاء لجنة تعويضات للتسوية المتبادلة للمطالبات كافة. وقدر الجانب المصري قيمة الثروة النفطية التي استنزفتها إسرائيل من حقول سيناء بمبلغ 65 مليار دولار، وما زال ملف التعويضات المصرية من إسرائيل مفتوحًا؛ لأنه لم يحظ بالاهتمام الجدي في عهد الرئيس السابق حسني مبارك الذي عطل الدور الإقليمي لمصر وجعلها تدور في فلك السياسة الأمريكية - الإسرائيلية، وباع الغاز المصري لإسرائيل بثمن بخس حتى وصف أحد قادة إسرائيل الرئيس السابق حسني مبارك بأنه كان (كنزًا استراتيجيًّا) لإسرائيل، والمأمول أن تستعيد مصر حيويتها ومكانتها، وتفعل مطالبها الخاصة بالحصول على التعويضات العادلة عن جميع الأضرار والخسائر التي أصابتها من جراء العدوان الإسرائيلي واستنزاف الثروات الطبيعية في سيناء طوال مدة الاحتلال.
وفي عام 2000، تم اكتشاف حقل غاز مهم في المنطقة البحرية التابعة لقطاع غزة، أطلق عليه اسم غزة مارين، وتقدر احتياطاته بأكثر من تريليون قدم مكعبة، وعندما تولى أرئيل شارون رئاسة الحكومة الإسرائيلية عام 2001 أعلن أن هذه الثروة الموجودة في مياه غزة ملك إسرائيل، وأن إسرائيل لن تشتري غازًا من فلسطين، ثم لم تجد إسرائيل مناصًا من الإقرار بأن هذه الثروة الغازية ملك للشعب الفلسطيني، إلا أنها حالت دون تطوير واستغلال هذا الحقل لإصرارها على مد خط الأنابيب من الحقل المذكور إلى ميناء عسقلان الإسرائيلي ثم إلى غزة، وأن تأخذ إسرائيل كمية الغاز التي تحددها وبسعر منخفض عن السعر السائد في الأسواق الدولية، ورفضت السلطة الفلسطينية هذه المطالب، ثم شرعت إسرائيل في حفر هذا الحقل بطريقة تمكنها من سرقة الغاز منه، في حين يعاني سكان قطاع غزة انقطاع التيار الكهربائي بسبب عدم القدرة على تشغيل محطة الكهرباء الوحيدة لنقص الوقود اللازم بسبب الحصار الجائر الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة منذ منتصف حزيران (يونيو) 2007. ومن ناحية أخرى، تنازع إسرائيل لبنان حقوقه السيادية في استغلال مكامن الغاز المكتشفة في المنطقة البحرية اللبنانية، وتريد إسرائيل أن تمد نطاق مناطقها البحرية على حساب لبنان دون أي مراعاة للقواعد المستقرة في القانون الدولي العام. وتجدر الإشارة إلى أنه بعدما انسحبت إسرائيل من قطاع غزة في 12/9/2005 تحت ضغط المقاومة الفلسطينية الباسلة، أكد الدكتور نبيل شعث وزير الإعلام الفلسطيني آنذاك في تصريح منشور في جريدة ''الأهرام'' بتاريخ 20/9/2005، أن إسرائيل سرقت قبل أيام من انسحابها أكثر من 100 ألف متر مكعب من رمال غزة، التي تعد من الثروات الطبيعية المهمة، ونقلتها إلى إسرائيل لاستخدامها في أعمال البناء والتشييد، وأن هذه السرقة أثرت في المخزون الجوفي للمياه بزيادة نسبة الملوحة فيها وغلاء أسعار الرمال، وأنه في مقابل هذه السرقة تركت إسرائيل في قطاع غزة ما يعادل حمولة 50 ألف شاحنة من أنقاض منازل المستعمرات اليهودية التي دمرتها قبل الانسحاب، والتي يبلغ عددها 2241 منزلاً، وأن طريقة الهدم والتدمير جرت بطريقة عشوائية لا تراعي الحفاظ على البيئة.