وا إعلامــاه !!
نحن نقع في قلب العالم العربي ، وفي بؤرة الأحداث العالمية لذلك تُصنع الأخبار في حضن الشرق الأوسط وعبر وديانه وجباله وآبار البترول التي يرقد هانئاً عليها.
ولأننا نملك الأسبقية في صنع الخبر ومواكبة الحدث كان لا بد من وقفة متأملة لحال الإعلام العربي في وقتنا الراهن. لا زال الوطن العربي لا يدرك كنه الصراع الايدولوجي في الثقافة كأداة تسهم في تأويل الحاضر وتفسير الماضي والتشريع للمستقبل، وقد حلّ محل الصراع اليوم ما يسمى (بالاختراق الثقافي) الذي يستهدف الأداة التي بها التأويل والتفسير والتشريع. إنه القدرة على السيطرة على الإدراك، واختطافه وتوجيهه (كما يقول الجابري) عبر وسائل الإعلام وصوره السمعية والمرئية.
ويطوف في رأسي تساؤل وأنا أتنقل من محطةٍ فضائية إلى أخرى ، ومن حساب تويتر إلى صفحة الفيس بوك ومتابعتي اليومية لأبرز ما يدور محلياً وعالمياً وحتى في الكواكب الأخرى. أتساؤل وأنا يطير مني الوقت لأتابع على تويتر أو لأتصفح الانترنت أو لأمارس هوايتي باخلاص في قراءة النسخة الورقية من الجرائد وأنا في طريقي إلى العمل.
ياترى ما هو الهدف (مما أعتبره رفاهة معرفية) في تعدد امكانية انتقاء وسيلة التلقي للمعلومة ؟ لماذا تتكرر المسلسلات التركية وقبلها المكسيكية وبمئات الحلقات؟ ولماذا مهند ونور والسلطان سليمان والشريرة ناهد دوران ؟ لماذا الأراب أيدول والمحكّ بنسخ عربية ممسوخة تكرسّ لنوع معين من الثقافة ونتبعها نحن حذو القذّة بالقذّة ؟ من الذي يسيطر على الإدراك الفردي وبالتالي يكيّف المنطق ويوثر في الذوق فيصبح نمطاً سائداً لدى الأغلبية ؟
ذاك ما يسمى بممارسات الاختراق الثقافي والايدولوجيا المعينّة التي تنتج الرضا لدى المتلقي بعدم وجود البديل عن هذه الثقافة ، فلو افترضنا توفر المهنية العالية وأخلاق الإعلام لدى القائمين عليه ، فإن المتلقي لا زال يضج بالأميّة ويعاني من تردي الاقتصاد وضعف مستوى المعيشة وبالتالي هو فردٌ مستكين بلا فاعلية في المجتمع ، فيصبح تأثير الإعلام ضعيفاً وتنمو شوارب أخرى لوسائل إعلامية تنتج ما نظنه حريّة وقدرة على التعبير ولكنّ في الحقيقة هي أحجار أٌلقيت في بركة تفرح بالموج.
ياترى لماذا يستطيع أفراد تعساء تأسيس وافتتاح محطات فضائية تهبط بأذواق الشعوب وتقود إلى صراعات مذهبية وقبلية ؟.
ومن ذا الذي يستخدم سلاح الإعلام ليسطّح الوعي ويسيطر على الإدراك ويكرّس لنمط استهلاكي يخرّب الادخار ويعوق التنمية في بلاد يسمونها (نامية) ؟ واقع إعلامنا العربي يقول أن هناك تطوراً هائلاً في الأداء واتساعٌ لمساحة الحريات المهنية بعد أن أصبح بالامكان خلع رئيس عبر تويتر وفيس بوك ، والتعبير في فضاءات أكبر عن ممارسات اللاعدالة. وفي المقابل بين الجد واللعب هناك تجاوزات وتسطيح للرأي وتطاول وتسفيه للآخرين بدعوى حرية الرأي وحقوق الإنسان.
هناك حراك بالتأكيد لكنه لا يرتقي في النهاية إلى تحقيق المأمول. ولو اضطلع إعلامنا العربي بدوره كما يجب وقام به على الوجه الأمثل، لتسارعت وتيرة التغيير ولساهم بفاعلية في صناعة وتوجيه الرأي العام، ولشارك في تقويم أداء أفراد المجتمع من النافذين والسياسيين. ولعرفنا مثلاً من أغرق جدة ومن المسؤول عن تأخيرّ انجاز البنية التحتية.
وإن لم يكن ما تريد الحكومات فإن المتلقي سيجد ضالته بسهولة في اختيار ما يريد أن يسمع ويرى ويشاهد، فليس (بغصب1 وغصب 2) سيشبع النهم إلى المعرفة وإلى تحقيق السبق في بث الخبر. وكمثل كل المهتمين والمهتمات يشدني إلى الخبر المصداقية والمهنية حتى أقتنع وأتابع . ويظل بداخلي رفض لكل ثنائية تقسم عالمي إلى عالم تقليدي وطني أصلي وعالم حديث مستورد يستهجنه الكثيرون .بداخلي أماني قديمة لخطاب ثقافي ليس له تبعية للسياسة ، يتبنى ما يواجه الاختراق في عالمنا العربي.
وبي حسرة خانقة وأمل لا يموت لأن الأعمار تطير ... والتغيير إلى الأحسن لا يحدث في منظومات الأمم ولا الثقافة والقيم إلا عبر الصبر والإصرار والعمل المؤسسي ، وبأننا نمر بمرحلة ستقطف الأجيال القادمة ثمرتها.
أنا أتحدث عن مساحات احترافٍ أكبر للإعلامي وإتقان للأدوات المستخدمة في صناعة الإعلام ، والخدمة المقدمة إلى المتلقي وكل مجتمع وفق متطلباته وأولوياته . إنها قدرة المأمول من الإعلام نحو "إقصاء الايدولوجية وإشاعة الروح النقدية والموضوعية وتعزيز الوحدة الثقافية" سواءً على مستوى المعرفة والتنوير أو على مستوى التسلية والترفيه.
لا زلت بعد كل هذا أحن إلى نشرات أخبار تخفف من بؤس العالم وتربط على الأمان في قلبي ، لا زلت أهفو إلى برامج ترفيه ترتقي بالذائقة المعرفية لأبعد مداها. ولازلت أصبو إلى إعلام ٍيترفع عن أن يكون أداةَ في يد أحد ، ويؤسس للمصداقية الممزوجة بالبحث عن الحقيقة حتى يساهم في عمليات الاصلاح.
الإعلام الذي لا يستصرخ المعتصم ليأتي لنجدته ويردّ إليه إعتباره . إعلام التغيير إلى الأفضل من الشام المكلومة لبغدان المغدورة ومن نجدٍ الشامخة إلى اليمن الأبية وصولاً إلى مصر المحروسة فتطوان المغربية . بلاد العرب كلها أوطاني .
أيها المعتصم بالله ...
وا إعلاماه ...