Author

ماذا وراء تراجع قضية المناخ من الاهتمام الدولي؟ (2 من 2)

|
نواصل في حلقة اليوم الحديث عن قضية المناخ على المستوى الدولي، فمع أهمية العوامل التي ذكرت في المقال السابق، إلا أن العامل الأهم والأكثر تأثيرا، ليس على الموقف الأمريكي فحسب بل على مواقف جميع الدول والتكتلات حيال قضية المناخ، هو التطور في قطاع الطاقة المتمثل في دخول تقنية استخراج الغاز الطبيعي والنفط من الصخور الزيتية حيز التطبيق، حيث أدى ذلك إلى إضافة كميات كبيرة جدا إلى احتياطيات الغاز والنفط المحتملة لعدد من الدول حول العالم خاصة الدول المستهلكة للطاقة. وتحتل الولايات المتحدة المركز الأول بالنسبة للاحتياطي من الصخور الزيتية، تأتي بعدها الصين، كما يعتقد أن هذا المصدر من الطاقة الأحفورية متوافر في أرجاء العالم كافة. ويتوقع أن يمكن هذا المورد الجديد الولايات المتحدة من أن تصبح مصدرة للغاز الطبيعي في المستقبل القريب، وأن تقلص اعتمادها على الواردات من النفط بقدر كبير. وبالتالي فقد أسهم هذا العامل في إضعاف موقف قوى الضغط المناهضة لاستخدام الوقود الأحفوري والداعية إلى استخدام البدائل بحجة تخفيض الاعتماد على الواردات النفطية لأسباب سياسية أو استراتيجية. أما دول الاتحاد الأوروبي، التي مع اليابان تمثل المجموعة الأكثر دعما لبروتوكول كيوتو، فقد وجدت موقفها المتشدد تقليديا يضعف أمام المستجدات غير الملائمة لأجندة المناخ. على رأس تلك العوامل تراجع موقع الطاقة النووية بعد حادثة فوكوشيما، وكذلك التغير في قواعد اللعبة في الناتج عن دخول موارد الغاز والنفط الصخري سوق الطاقة العالمية. هذا فضلا عن أن نظام الاتجار بانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الذي اعتمدته أوروبا لتخفيض تلك الانبعاثات لم يرق حتى الآن إلى الآمال المعقودة عليه. قياسا بمواقف الدول المختلفة، فإن الموقف المستجد لكل من الهند والصين وغيرهما من الدول النامية الرئيسة، لم يخل من المفاجآت، في ضوء موقفهم التقليدي السابق الرافض للدخول في اتفاقيات تنطوي على التزامات محددة بالنسبة لانبعاثات الغازات الدفيئة. فما وافقوا عليه في دوربان هو أن يدخلوا في برتوكول ملزم، مع الأخذ في الاعتبار أن نوع الالتزامات وحجمها سيتم التفاوض عليه بينما تطبيق ما يلتزم به لن يبدأ قبل عام 2020. يعتقد أن هذا التموضع الجديد جاء نتيجة عدد من العوامل أهمها: أولا، وفي ضوء الانبعاثات الكبيرة للصين والهند من غاز ثاني أوكسيد الكربون، حيث تحتل الصين المركز الأول عالميا، فقد يصبح من الصعب التذرع بمقولة اقتصار المسؤولية التاريخية عن الانبعاثات على الدول الصناعية المتقدمة. وثانيا، الاعتقاد بأنه يمكنها الالتزام بمعدل من الانبعاثات لا يمثل عقبة أمام مسيرتها التنموية بل ينسجم معها. ومما يعزز هذا الاعتقاد هو اعتمادها النسبي الكبير في استهلاكها من الطاقة على الفحم الحجري، وهو بالإضافة إلى كونه أكبر مولد لانبعاث ثاني أوكسيد الكربون، فإنه أيضا مصدر أساسي لتلوث البيئة الطبيعية. وبالتالي تركز الدولتان على تخفيض دور الفحم في سوق الطاقة من خلال تنمية البدائل المتمثلة بالطاقة النووية، والغاز الطبيعي، ومصادر الطاقة المتجددة. وفي هذه الحالة فإن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون ستنخفض تلقائيا بسبب عملية الإحلال، ومن دون تأثيرات سلبية على عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل تأثيرات إيجابية على صعيد البيئة والإنتاجية. ومما يدعم هذا التفسير هو استمرار الدولتين في تنمية قدراتهما من الطاقة النووية بالرغم من حادثة فوكوشيما، وتسريع جهودهما لاستكشاف موارد الغاز الحجري ونقل تقنيات استخراجه. جاءت كل هذه التحولات في المواقف بالرغم من غياب أي تغيير في الدليل العلمي حول ظاهرة تغير المناخ وشبه الإجماع العالمي حول مخاطره. مما يعيد التذكير بأن الثابت الوحيد في العلاقات الدولية هو مصالح الدول وطموحاتها. وقد تكون إحدى النتائج الإيجابية الأبرز لهذه التطورات في أجندة المناخ، هو إعادة استراتيجية مواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري والتأقلم مع نتائجها إلى نصابها الموضوعي الصحيح. وذلك من خلال عودة التركيز، ليس على التخلص من الطاقة الأحفورية من خلال تطوير البدائل لها، بل تطوير وتوظيف الوسائل الكفيلة باستخدامها النظيف جنبا إلى جنب مع مصادر الطاقة الأخرى المتجددة وخلافها. وهذا، بلا شك، يصب في مصلحة الدول ذات الموارد المعتبرة من الطاقة الأحفورية، خاصة تلك التي تعتمد على تلك الموارد في تنميتها الاقتصادية والاجتماعية.
إنشرها