«أرامكو» و«سابك» .. التعاون أصبح واجبا

قبل نحو خمسة أعوام كتبت في ''الاقتصادية'' مقالا تحت عنوان ''أرامكو وسابك .. حان وقت الشراكة''، وكان الدافع يومئذ لكتابة ذلك المقال خبرين تناقلتهما وكالات الأنباء العالمية، أولهما ما أعلنته شركة أرامكو السعودية في (12/5/2007) عن توقيع مذكرة تفاهم مع شركة داوكيميكال الأمريكية لتطوير مجمع إنتاج البلاستيك والكيماويات في رأس تنورة، الذي قدرت تكلفته في أوساط الأسواق المالية بمبلغ 20 مليار دولار ما يجعله الأكبر من نوعه على مستوى العالم. أما الخبر الآخر فقد كان إعلان شراء شركة ''سابك'' وحدات إنتاج قطاع البلاستيك في شركة جنرال إليكتريك الأمريكية في صفقة بلغت قيمتها 11.6 مليار دولار، وهي الصفقة التي أثارت بعض الانتقادات حول حجمها وتوقيتها.
بالطبع منذ صدور تلك الأخبار خطت كل من ''أرامكو'' و''سابك'' خلال السنوات الخمس الماضية خطوات واسعة في بناء طاقات جديدة في مجال الاستثمارات الصناعية الضخمة كالمصافي ومجمعات البتروكيماويات والمعادن، وغيرها مما ينسجم مع سياسة المملكة في تعظيم عائداتها من إنتاج النفط والغاز. فعلى سبيل المثال تطور التعاون مع ''داو'' من مذكرة تفاهم إلى إبرام عقد شراكة تحت مسمى ''شركة صدارة''. وفي الفترة نفسها انطلق إنتاج مجمع ''بترورابغ'' بالشراكة مع ''سوميتومو'' اليابانية، كما شهدنا باكورة إنتاج مجمع الفوسفات لشركة معادن في رأس الخير، الذي تساهم شركة سابك فيه بنسبة 30 في المائة. ولم تقتصر تلك الاستثمارات على الشركاء التقليديين، بل كانت هناك حصة ملموسة منها للشركات الصينية بالشراكة مع ''أرامكو'' في بعض منها، ومع ''سابك'' في البعض الآخر. من بين تلك المشروعات ما بُني أو سُيبنى في الصين، ومنها ما سُيبنى في المملكة. ولا يخفى البعد الاستراتيجي لتلك الخطوة اقتصاديا وسياسيا بضم الصين إلى قائمة الشركاء الاستراتيجيين للمملكة كدولة تبني مستقبلاً مشرقاً لمواطنيها يرتكز على حيازة و توطين أكبر قدر من التقنيات المتطورة التي كانت إلى عهد قريب حكرا على عدد محدود من الشركات الغربية.
وقد أشرت في المقال السابق إلى ما تشكّله تلك الاستثمارات الكبيرة سواء في الداخل أو في الخارج من تحديات إدارية، تسويقية، مالية، قانونية، وغيرها ما يدعونا للتفكير بجدية في ضرورة التنسيق بين كبار لاعبينا في مجال البتروكيماويات وهما ''أرامكو'' و''سابك''، حيث تكون المحصلة النهائية تعظّيم المنافع للاقتصاد الوطني، وإن اقتضى ذلك إعادة صياغة لبعض الأدوار والآليات.
تلك الدعوة للتعاون بين ''أرامكو'' و''سابك'' في مجال صناعة البتروكيماويات غدت أكثر إلحاحا اليوم إثر ما تبدّى من مستجدات في الآونة الأخيرة في تقنية إنتاج الغاز الصخري ما أدى إلى خفض متوال في أسعاره إلى مستويات لم تكن متوقعة حتى الأمس القريب. وذلك يعني تقليصا موازيا في الميزة التنافسية لصناعة البتروكيماويات السعودية، ما قد يترتب عليه توجه الحصة المتوقعة للمملكة من الاستثمارات الجديدة في ذلك القطاع إلى بلدان أخرى.
هناك خيارات عدة للتعامل مع ذلك المشهد الجديد بهدف الحفاظ على أقصى قدر ممكن من الميزة التنافسية التي تتمتع بها صناعة البتروكيماويات السعودية سواء كانت ملكيتها لـ ''أرامكو'' أو لـ ''سابك''. فإلى جانب سعر اللقيم للمصانع الذي يعد الميزة الأهم للصناعة السعودية، هناك عناصر تكلفة أخرى قابلة للترشيد ومن ثم تحقيق وفورات كبيرة قد تدعم تلك الميزة. من بين تلك العناصر التقنية المستخدمة، حجم وحدات الإنتاج، التخزين، النقل، التسويق، التوزيع، التمويل، المصاريف الإدارية، مخزون قطع الغيار، حقوق الملكية الفكرية، وغيرها. ولعل أبسط السيناريوهات لرفع كفاية أداء تلك العناصر هو الدمج بين المتشابه منها في كل من ''أرامكو'' و''سابك'' بما يسمح بالاستخدام المشترك وخفض التكلفة بتوزيعها على عدد أكبر من المستفيدين.
صحيح أن هناك فوارق كثيرة بين الشركتين كالحجم، الإمكانات، الإدارة، العلاقات الخارجية، السياسات المالية، آليات اتخاذ القرار، وغيرها من الفوارق الموضوعية التي لا يمكن القفز عليها أو تجاهلها. ومن ثم قد يكون هناك تردد من قبل الشركتين في بحث مقترح دمج الأعمال المتشابهة بينهما ما لم يُطلب منهما ذلك من طرف ثالث كالمجلس الاقتصادي الأعلى أو مجلس الشورى.
وفي ذلك السياق لا ننسى أن هناك عاملا مشتركا بين الشركتين قد يرجح منفرداً كل تلك الفوارق بينهما ألا وهو أن ما تحققانه من مكاسب تعود في النهاية للمواطن بمن في ذلك الأجيال القادمة ممثلة في صندوق الاستثمارات العامة الذي يملك نحو ثلثي شركة سابك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي