حقل الدرة للغاز والأطماع الإيرانية (2 من 2)

انتهينا في الحلقة الماضية من سرد الوقائع التي طرأت بشأن استغلال حقل الدرة، ولنا وقفة للتعليق فنقول ما يلي:
أولا: إن الحدود البحرية بين السعودية وإيران تم تحديدها بموجب اتفاقية مبرمة بتاريخ 2/8/1388هـ الموافق 24/10/1966. ولا توجد مشكلة بين الدولتين بشأن هذه الحدود.
ثانياً: إن حقل الدرة يقع ضمن الجرف القاري للمنطقة المحايدة السعودية - الكويتية التي اقتسمتها الدولتان بموجب الاتفاقية الموقعة بينهما بتاريخ 9/3/1385هـ الموافق 7/7/1965، حيث انضم الجزء الشمالي من هذه المنطقة إلى الكويت، بينما انضم الجزء الجنوبي إلى السعودية، واتفقت الدولتان بأن الثروات الطبيعية في كامل المنطقة المقسومة تظل ملكية مشتركة بين الدولتين. ويقع حقل الدرة ضمن المنطقة المغمورة التابعة للجزء الشمالي الذي انضم إلى الكويت. ونظراً لأن المنطقة البحرية المحاذية للمنطقة المحايدة المقسومة تعد امتداداً للإقليم الأرضي لهذه المنطقة فقد وقعت الدولتان اتفاقاً آخر بتاريخ 30/3/1421هـ الموافق 2/6/2000 بشأن تحديد الحدين الشمالي والجنوبي للمنطقة المغمورة المحاذية للمنطقة المحايدة المقسومة واتفق الطرفان بأن الثروات الطبيعية الكائنة في كامل المنطقة المغمورة المحاذية للمنطقة المقسومة تظل ملكية مشتركة للدولتين، وأن تكون الدولتان طرفاً تفاوضياً واحداً عند تعيين الحد الشرقي للمنطقة المغمورة سالفة الذكر أي عند تحديد الحدود البحرية بين هذه المنطقة وإيران. ولذلك فإن المطلب الكويتي أن يكون التفاوض مع إيران بشأن تحديد هذه الحدود على أساس أن الكويت والسعودية يكونان طرفاً تفاوضياً واحداً هو مطلب قانوني صحيح، ولكن إيران، كما يبدو، لا تريد التفاوض مع هاتين الدولتين كطرف مفاوض واحد.
ثالثاً: إن الخطوة التي أعلنت إيران أنها بصدد اتخاذها بشأن حقل الدرة لا تتفق مع مبادئ القانون الدولي، ذات الصلة بموضوع النزاع، فطبقاً لأحكام القانون الدولي للبحار يجب تسوية المنازعات المتعلقة بتحديد الحدود البحرية إما بوسيلة التفاوض والاتفاق، وإما بالوسائل القضائية سواء عن طريق التحكيم أو عن طريق إحالة النزاع إلى المحاكم الدولية المختصة للفصل فيه، ولذلك فإن التصريح الإيراني بعزمها على الانفراد باستغلال حقل الدرة يشكل انتهاكاً لقواعد القانون الدولي بشأن كيفية تسوية المنازعات المتعلقة بتحديد الحدود البحرية. وإذا كانت إيران ترى أنه قد أصبح من المتعذر الوصول إلى هذه التسوية عن طريق المفاوضات فكان الأجدر بها أن تطلب من الكويت والسعودية إحالة النزاع إلى التحكيم أو المحكمة الدولية لقانون البحار أو محكمة العدل الدولية، لا أن تعلن أنها قررت فرض إرادتها دون مراعاة لحقوق الأطراف المعنية.
كما أنه طبقاً لمبدأ حسن الجوار يتعين على الدول المتجاورة ألا تبدأ في استغلال حقول النفط والغاز والمعادن الواقعة في المناطق الحدودية إلا بعد الاتفاق بين الدول المتجاورة على تحديد الحدود المشتركة بينها وترسيمها. إذ بعد تحديد الحدود وترسيمها يمكن التعاون بين الدول المتجاورة في كيفية استغلال حقول النفط والغاز والمعادن الممتدة على جانبي الحدود المشتركة، كما أنه بعد تحديد الحدود وترسيمها يمكن احتساب الاحتياطات التي يتضمنها كل حقل نفطي أو معدني ممتد عبر الحدود الدولية، وتحديد الحصة التي تؤول لكل طرف من الأطراف المعنية ومن ثم تحديد الطريقة المناسبة لاستغلال هذه الحقول.
ولذلك فإن استناد إيران إلى سابقة استغلالها لحقل هنجام المشترك بينها وبين عمان هو استناد غير صحيح لأن إيران سبق أن وقعت مع عمان على اتفاقية بتاريخ 25/6/1974 بشأن تحديد حدودهما البحرية، وقد تضمنت هذه الاتفاقية نصاً بشأن كيفية استغلال الحقول المعدنية الممتدة عبر حدود الدولتين أي إيران لم تبدأ في استغلال حقل هنجام إلا بعد الاتفاق مع عمان. وحتى لو افترضنا أن إيران شرعت في استغلال الحقل المذكور قبل الاتفاق مع عمان، فإن هذا التصرف يعتبر تصرفاً غير قانوني ولا يشكل سابقة قانونية يعتد بها.
إن المسلك الإيراني حيال حقل الدرة ليس إلا حلقة في سلسلة طويلة من الأطماع الإيرانية في الأقاليم العربية المجاورة وما تحتويه من ثروات. ويكفي أن نشير إلى التجاوزات الإيرانية على بعض الحقول النفطية العراقية القريبة من الحدود الإيرانية. وكان آخرها عبور قوة عسكرية إيرانية الحدود العراقية في 18/12/2009 واحتلالها بئراً في حقل فكة النفطي العراقي ورفعها العلم الإيراني عليه كدلالة على احتلالها منطقة هذا الحقل الأمر الذي أثار في حينه غضباً شعبياً في العراق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي