أزمة الأسمنت تضرب مشاريع البناء

عادت أزمة الأسمنت مرة أخرى ومعها قد تعود أزمة مواد البناء، بما في ذلك الحديد، فقد انتقلت أزمة شح الأسمنت وارتفاع أسعاره من جدة إلى مدن أخرى، وتحول جزء من البيع إلى السوق السوداء للمبيعات دون فواتير لإخفاء عمليات البيع، حيث دخل في صفقات البيع الوسطاء وبعض الأفراد الذين يريدون نقل البيع إلى سوق خفية، ولذا فإن أولئك المنظمين للأزمة يجوبون منافذ التوزيع لتقديم عروض الأسعار المرتفعة وعند قبول السعر يتم توفير الكمية المطلوبة، مستغلين زيادة الطلب على مادة البناء الأساسية.
لقد أصبحت أسعار مواد البناء هاجسا لدى المستهلكين مما يفتح مراقبة الأسعار، حيث يتجدد الشك في جدوى آلية المراقبة الحالية ومدى فاعليتها في إعادة الأسعار إلى وضعها الطبيعي، بل طالب البعض بأن يتم إسناد الرقابة على الأسواق بما في ذلك رقابة الأسعار إلى جهاز رقابي شرعي، باعتبار أن ذلك من أعمال الحسبة بعد إخفاق عدة جهات معنية طوال السنوات الماضية، وقد طرح هذا الاقتراح من قبل بعض أعضاء مجلس الشورى ومن قبل بعض الأكاديميين المتابعين لموضوع ارتفاع الأسعار.
إن مواجهة ارتفاع الأسعار لا تعني عدم الاعتراف بوجود مؤثرات قوية، مثل زيادة الطلب ولكن الحل ليس بالاستغلال لزيادة السعر والتكسب غير المشروع، فليس من حق التاجر رفع السعر لمجرد أن هناك طلبا زائدا عن المعتاد، فالأسعار محددة من وزارة التجارة وقد صدرت التعليمات بفرض العقوبات على المخالفين ومما يدل على أن أولئك يعلمون أنهم يخالفون الأنظمة والتعليمات والقرارات في هذا الشأن أنهم يبيعون مادة الأسمنت دون فواتير لقطع الدليل ضدهم في الإثبات.
إن أسواقنا المحلية تعاني الاستغلال البشع لأدنى أزمة أو إشاعة لخلق سعر جديد وفرضه على المستهلكين وبصورة مطردة في معظم السلع والبضائع، فالمملكة بلد مستورد لمعظم احتياجاته باستثناء المواد البترولية ومواد البناء الأساسية، فكيف لو كنا نستورد مادة الأسمنت والحديد بنسبة عالية من احتياجنا المحلي؟ وهنا يمكن السيطرة على الأسعار، فالأسمنت والحديد يتم إنتاجهما في المملكة، خصوصا الأسمنت الذي هو محل أزمة ستكون خانقة لأصحاب المشاريع فكيف يحمي المستهلك نفسه من ارتفاع الأسعار أو الرفع المتعمد للأسعار الذي أصبح مصدر قلق دائما له؟
لقد أصبح حقيقة واقعة أن التعامل مع حق التاجر في رفع الأسعار دون رقابة أو محاسبة يعطي الضوء الأخضر لولادة تضخم كبير غير مرتبط بأي أسباب اقتصادية واضحة بل هو نهم دائم لتحقيق المزيد من الأرباح في ظل انعدام الرقابة الدقيقة، حيث لا يزال مفهومنا للاقتصاد الحر أن تحديد الأسعار متروك للعرض والطلب وليس للجهات الرقابية والإشرافية أن تحدد الأسعار أو تراقبها أو تمنع حدوثها بهذه الصورة التي هي اليوم محل تذمر وشكوى من جميع المواطنين وهو مفهوم خاطئ.
إن ضبط المخالفات والتشهير بالمخالفين هما الوسيلة القانونية الواجب اتخاذها ويجد هذا الحل تبريره في الأوامر الملكية التي كانت في غاية الوضوح لمنع ارتفاع الأسعار وزيادة عدد وظائف مفتشي وزارة التجارة بما يقارب 500 وظيفة من أجل حماية المستهلك، والسؤال الذي يطرح نفسه: أين دور القطاع الخاص من التفاعل مع الأوامر الملكية ومشاركة الدولة في توفير الحياة الكريمة لأبناء الوطن؟
إن علينا التعامل مع الغلاء بصورة أكثر جدية واستخدام القوانين لمنع حدوث تضخم غير مبرر من الناحية الاقتصادية، كما أن مراقبة الأسواق في غاية الأهمية، فالتضخم يقضم أي زيادة في الدخل ولم تعد تلك الزيادة سوى حصة مضافة إلى رصيد التجار في أسواق مفتوحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي