هل فعلا إيران غير قلقة؟

مسلية كثيرا ردود الفعل الإيرانية على القرارات الدولية التي تتخذ ضدها، ففي أبجديات الاقتصاد أن أقوى دولة في العالم تتأثر مع توقف نحو 20 في المائة من صادراتها التي تعتمد عليها اعتمادا أساسيا، فكيف إذا كانت هذه الدولة نمرا من ورق، وتعاني أساسا مشاكل اقتصادية وسياسية واجتماعية لا حصر لها، كما هي إيران التي أصبح لا حول لها ولا قوة وهي ترى الغرب يضرب صادراتها النفطية ونظامها المالي في مقتل؟
طهران تقول إنها ''غير قلقة'' من العثور على مشترين جدد لنفطها الذي حظرته أوروبا، متغافلة أنه بعد هذا القرار فإن السبحة قد تنفرط، فها هي أستراليا تنضم سريعا وتعلن أنها أيضا لن تشتري النفط من إيران، وحتى موعد تنفيذ الحظر الأوروبي في تموز (يوليو) المقبل، تكون الضغوط الغربية على الدول الآسيوية، قد فعلت فعلتها، حينها لنرى ما إذا كانت طهران غير قلقة فعلا من تقلص مشتري نفطها يوما بعد الآخر، إلا إذا كانت تنوي مساعدة حليفها السوري بشحن كل هذه الكميات، طبعا عبر مندوبها في العراق نوري المالكي!
ربما يكون قرار دول الاتحاد الأوروبي بإقرار حظر نفطي على إيران، من أشد القرارات صرامة التي تتخذ منذ دخول طهران في مواجهة مع العالم بسبب مشروعها النووي، إيران كانت تتوجع دائما، ولكنها تسعى إلى ألا تبدو كذلك، غير أن القرار الأوروبي الذي تضمن عقوبات على النظام المالي الإيراني، سيغلق أية نوافذ تسمح لطهران بالتلاعب والتملص من القرارات الدولية، كما هي عادتها عندما تحاصر.
التجارة الإيرانية ربما تكون الأكثر ضررا من هذه العقوبات، وبالتالي ستنعكس سلبا على المواطن ذاته، فالريال الإيراني يواصل الانهيار، حتى إن أسعار صرفه متذبذبة وتتغير بين ساعة وأخرى، وتحول التجار لاستخدام الذهب بديلا لصفقاتهم المالية. وتنقل صحيفة ''الديلي تلغراف'' اللندنية عن أحد تجار طهران قوله: ''لا يمكننا إبرام أي صفقة مع الشركات الأخرى لأن الأسعار تتغير كل ساعة، والحكومة قيدت أسعار العملات الصعبة، لذلك لم يبق أمامنا إلا التعامل بالذهب''، فأي دولة تدعي حضارتها وتقدمها، وتجارها يعودون للقرون الوسطى في تعاملهم التجاري؟
إيران تتأزم من الداخل، ولا تجد طريقا للمشاكل الاقتصادية التي تخنقها إلا عبر الصوت العالي لا غير، الذي شبع العالم منه، وفهم أنها قنابل صوتية لا تأثير لها على الإطلاق، وليس آخرها قنبلة إغلاق مضيق هرمز ، التي تراجعت عنها طهران سريعا بعد أن استشعرت الخطر وإن رد الفعل العالمي قد يصل إلى تدمير شامل لبنيتها العسكرية.
أمام إيران طريقان لا ثالث لهما، إما المضي في المشروع النووي على طريقة عليّ وعلى أعدائي، دون العبء بالتكلفة العالية والقاسية لهذا الخيار على مواطنيها، وإما العودة عن تعنتها والقبول بالتفاوض مع دول 1 +5 بشأن ملفها النووي دون شروط مسبقة، ويبدو أن الأخيرة هي الأقرب، فثمن جوع الناس مكلف ويعلم النظام الإيراني جيدا أنه لا يستطيع تحمله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي