" بس بس مياااا و "...
تنادى القطط ويتم دعوتها بلغة (البسبس مياو) ، وبمجرد ترديد ذلك ، تأتي مطواعة حتى لو غلبتها الشراسة، مناسبة الكلام أنني استحضر نظرية لمالك إبن نبي عن تصنيفه لما يحيط بنا من عوالم ونتائج تعلٌقنا بأحدها . ولماذا نصاب في مقتل إن فارقنا الأحبة أو فقدنا ما نملك أو حرمتنا الأقدار من عزيز غالي .
تقرر النظرية أن المحيط الحضاري مقسم إلى ثلاث عوالم هي عالم الأفكار و عالم الأشخاص و عالم الأشياء، التي قد تنطبق على المراحل الثلاث من الحضارة. و يبني مالك بن نبي على هذه التقسيم أفكاره في تشريح حالة الأمة العربية وتشخيص أمراضها. فأكبر مشكلة تعانيها هي مشكلة التقصير في إنتاج الأفكار. و لذلك هي حاليا منغمسة إما في التعلق بالأشخاص وتأليههم و إما في الحالة الأسوأ بالأشياء. و لذلك يمكن تسمية الحالة الأخيرة بحضارة الأشياء التي تنحو فيها الأمة - بما لها من خيرات و سيولة مالية- إلى تكديس الأشياء ظنا منها أنها باقتنائها تلك الأشياء ستنضم إلى ركب الحضارة الغربية.
وأعود لتكريس ثقافة ( البس بس مياو ).. البارحة فقط سمعت أحدهم يصدح في نشيد صاخب بأن حبيبه قد تغيب ليومين وأنه سيسقط صريعاً للحنين .. ثم ينادي عليه بس بس مياو !! أي نوع من الحضارة يامالك تتحدث عنه ، وأي فكر يستعمر أفرادها ؟ التعلق بالأشخاص ، أو ما قد أسميه تشييء الأشخاص ومعاملتهم على أنهم أشياء نمتلكها ونقتنيها وندور في أفلاكها ظناً أنها تحدد مصائرنا ؟ أي انتاج فكري ننتظره وكل همومنا تتوجه نحو من أحبنا أوكرهنا وأساء أو أحسن إلينا .. تتمحور حول الصاع والصاعين أو إدارة الخد الأيسر ، أو أننا تجاوزنا همومنا فأصبح الصفح سجية وطوية .
بيني وبين نفسي حروب وأسرى وجرحى، فكيف يمكن لنا التدرج للارتقاء حتى نلامس عالم الأفكار ؟ كيف نجعل المحيا والممات يتمحور حول رب العالمين وبيننا أناس لا يفرحون بمطر ويحسبون أن كل صوت عليهم ! كيف أننا كثيراً لا ننادي أحداً البتة (بس بس مياو) ويظل الله يسخّر لنا خيار خلقه فيحبوننا لوجهه الكريم !
كيف نعاشر ونختلط ونصبر على الأذى ونسكت ليس من ضعف ، ولكن لأننا تمرسنا في أمور المداراة فما عادت المرارة تفرقع! وما عاد هؤلاء يسمنون ولا يغنون من جوع ؟ إن التعلق بالأشياء يُخضع الأمور للمعيار الصبياني ، إذ لم يعد الإنسان يستمد مكانته الاجتماعية من كونه إنسانا ًولا من زاده المعرفي ، وإنما من كمية الأشياء التي يمتلكها ويتصرف فيها. لذلك ستسود إلى زمن لا نعلمه ثقافة الـ (بس بس مياو) واستدعاء الحنين والبكاء على الأطلال مادام تعلقنا باق بالأشياء والأشخاص ، ويحين الخلاص عندما نمارس التعلق بالفكرة .. كيف ولماذا ؟ أتركه لمقال قادم, غفر الله لمالك بن نبي في قبره.
أرنا الحق حقـاً يارب...أرنا الباطل باطلاً يارب ..
" فإن تولوا فقل حسبي الله الذي لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم".