"العبرة بالخواتيم"

"ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير " بهذه الآية الكريمة ختمت سيدة فاضلة مسيرة حياتها العملية في سلك التربية والتعليم كما بدأته بذلك ، وأجرت في وجدان الحاضرات الدموع ... ختمت مسيرتها في محفلِ يليق بشموخ انجازها ، وقد يسّر الله وسخر لها قلوباً تفتديها بالغالي والنفيس..
وأنا بين الحاضرات يدوي في رأسي تساؤلُ كبير ، كيف لشخص أن يمتلك قلوب تابعيه ؟ ماهي أدواته وسلوكياته التي أحسنها ليمتلك محبة وولاء الأغلبية .. ويتمنوا بنهاية مسيرته وإعتزاله أن ينتهي العالم قبل أن تنتهي فترة الانجاز الكبرى التي استمتعوا فيها بالعمل تحت قيادته ؟

معادلة صعبة في هذا الزمان .. أن يهبك الله قائداً حكيماً ، ولست أعني المدراء هنا .. فليس كل من تولى الإدارة يمتلك الجسارة في تحمل مسؤوليات العمل وتقبل الضغوط والمثابرة على توجيه الدفة نحو تحقيق الانجاز مهما صغر حجمه ، فالجبال تتشكل من أحجار صغيرة ، ويعجز الكثيرون من هؤلاء المدراء عن تشكيل تلة راسية تبقى راسخة ولو بعد حين.
أدوات هذه المرأة كانت الصبر والتصبر في المقام الأول ، فمنذ خالطتها كانت تردد أن الكرسيّ دوار ولن نتخلد فوق جلده الوثير ، وقد تبوأت منصبها وهي تعلم أنها ستغادره يوماً ما، فكانت تحرص على أن تغادره مرفوعة الرأس تتحلق حولها القلوب، وقد حقق الله لها ذلك .
ثم كان من أبرز أدواتها (الدفع بالتي هي أحسن) ، وياكثرة الطامعين بالكرسي الذي انقاد لها ولم تطأطيء هي له ، فسياستها بالنسبة لي أجدر أن تُدّرس في الجامعات كأقوى ممارسات الإدارة المعاصرة . والنتيجة لامستها عياناً بياناً ... نبت الهشيم كالزرع الأخضر .. كل من كان يضمر أو يصرح بما في قلبه ، انقلب بفضل الله إلى ... (الولي الحميد).

ومن أجمل التكتيكات الإدارية ما كانت تردده على الأسماع كلما اشتدت الخطوب وحمى الوطيس قولها: (تركُ السفيه بلا جواب أشدّ عليه من السِباب) ، وكأنها تلقم المتأوه حصاة ً فيبتلعها بكامل قواه العقلية راضياً مرضياَ. لنرى نتيجة السحر في هذا الأسلوب الإداري، حيث لم تتجاوز الزوابع الفنجان ، وأخمدها (الترّك) في مهدها. كل ذلك مكّن هذه السيدة من حصد الولاء وزرع مروج الصواب أينما كانت.
تحت إمرة مثل هؤلاء النسوة تنمو بلادي وتتطور .. تحت إمرة قيادة واعية حكيمة تعرف معنى ترك المجال للمبدعين واحترام آراء من تعمل معهم والتجاوز عن الإساءة من المقصرين، تحت إمرة روح الشجاعة في تحمل الضغوط والتخلق بخلق الدماثة والتركيز على المخرجات المتميزة، تحت إمرة مثلها نعشق أن نعمل ونرتضي أن نلقي بأنفسنا في جُرفٍ هاو ... لأن لديها القدرة العجيبة على تحقيق أعظم الإنجازات باستخدام أقل الموارد المتاحة والسير قُدماً بفريق العمل نحو الإبداع.

فمن أجل هذه السيدة كانت الدموع تتساقط باستحقاق .. وإلى جواري من تدعو بإخلاص: اللهم ولّي علينا خيارنا.. اللهم ولّّي علينا خيارنا . العبرة بالخواتيم سيدتي.. فطوبى لك آمال رضوان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي