الطاقة ومفهوم الأخذ والعطاء في المباني الخضراء
تعد الطاقة إحدى أهم المقومات الرئيسة للمجتمعات المتحضرة. وهي تتعدد أشكالها وتتنوع مصادرها، ولا يمكن أن تستغني عنها اليوم أي جهة عاملة في المجتمع، إذ بها تسير الحياة ويدب النشاط في الحياة اليومية جراء استهلاكها، فالمصانع وكل المباني لا يمكن لها اليوم أن تستغني عن الطاقة بجميع أشكالها، حتى في تحريك الأدوات المنزلية البسيطة نحتاج إلى هذه الطاقة لتحركها بدلا عنا، وهي من النعم العظيمة التي منّ الله بها على الإنسان في هذا الكون العظيم.
ليس هذا فحسب، بل إن الإنسان في حركاته التي يقوم بها يحتاج في حياته إلى طاقة، فهو لذلك يستهلك من أنواع المأكولات ما يحول بعد ذلك إلى طاقة تخوله للعمل في إنجاز أعماله اليومية، إذ يتحول الأكل إلى المعدة لتقوم بحرق الغذاء في خلايا الجسم ويتحول بعد ذلك إلى طاقة. لذا يمكن تعريف الطاقة بأنها (قابلية القيام بشغل) ولها أشكال عدة، حيث توجد على شكل طاقة الريح، وطاقة جريان الماء ومساقطها والطاقة الشمسية. ويمكن أن تكون الطاقة مخزونة في مادة كالوقود التقليدي (النفط ، الفحم، والغاز).
ولست بصدد الدخول مع القارئ الكريم إلى معادلات وتفاصيل هندسية في تحليل الطاقة وكيفية تحويلها من شكل إلى شكل، لكن الذي أود أن نتعرف عليه هو أننا إذا نظرنا إلى المباني اليوم نجدها في مجملها تأخذ دون أن تعطي فتستهلك طاقة كبيرة لتبدد بشكل كبير جدا في التبريد وفي الإنارة وغير ذلك دون أن تنتج لنا أي طاقة يمكن أن يستفاد منها على الأقل في تخفيف استهلاك ما تقوم تلك المباني باستهلاكه.
لقد تولد لدينا خلال السنوات الماضية أن الطاقة متوافرة بشكل كبير لذا كان استهلاكها يتم بشكل نهم ودون أي وسائل ترشيد، فالمباني التي تم بناؤها سابقا ويتم بناؤها اليوم لا تراعي مفهوم الأخذ والعطاء في الطاقة وكيفية استغلالها بشكل صحيح، لذا فإن الحوائط التي تبنى في المباني يتم وضع عوازل بسيطة في وسطها وتترك النوافذ والأبواب والأسطح غيرها تبدد الطاقة بشكل كبير، وأما إذا نظرت إلى المباني الحكومية كالجامعات والمدارس والدوائر فهي في مجملها شرهة في استهلاك الطاقة وتبددها بشكل كبير، حتى مباني المساجد نجد أن معظمها يستهلك كمية كبيرة من الطاقة تبدد في التبريد والإنارة دون أن يكون دور المسجد توليد الطاقة ليتعلم الناس كيف أن المسجد يفيض طاقة حسية ومعنوية.
إن مفهوم المباني الخضراء ليس أن تزرع على أسطحها نباتات تستهلك الماء الذي يجلب لها من أقصى البلاد فيستهلك جلبها طاقة مهولة، لكن مفهوم المباني الخضراء أن نزرع في أسطحها ما يولد الطاقة التي تقوم بتشغيل ذلك المبنى تشغيلا أمثل من خلال توليد طاقة متجددة.
ولما كان أهم مفهوم في المباني الخضراء الحفاظ على الطاقة وإنتاج الطاقة، لذا تصمم وتشيد المباني بطريقة إبداعية كي تنتج طاقة وتستهلك طاقة، إذ تتعالى الأصوات اليوم بمفهوم جديد هو أن تكون الطاقة صفرا، أي إن ما تم استهلاكه من طاقة هو نفسه ما ينتجه المبنى من طاقة، وهو مفهوم
إما أن يكون عطاء المبنى أكبر من أخذه، فهذا كرم واليد العليا أفضل من اليد السفلى، غير أن ذلك يستلزم أن تتضافر الجهود في إبداع هندسي وتبني لمفهوم المبنى الذي يشع طاقة ويمكن لنا أن نبدأ بالمساجد أولا ليتعلم منها الأجيال أن المسجد يشع عطاء وطاقة بكل أنواعها.