«الباطن».. هاجس 99 % من المقاولين أمام مشروعات الميزانية

«الباطن».. هاجس 99 % من المقاولين أمام مشروعات الميزانية

أكد لـ"الاقتصادية" مقاولون سعوديون، قدرتهم على القيام والعمل في المشاريع التنموية التي تشهدها المملكة، في الوقت الراهن، إلا أنهم أكدوا أنه على الرغم من أن الميزانية التي أعلن عنها أخيرا حملت بين طياتها، مشاريع جديدة كبرى، سيظلون مرتدين عباءة المقاول الباطن؛ نظرا إلى عدم دخولهم ضمن تصنيف المقاولين الذي تقوم به وكالة التصنيف في وزارة الشؤون البلدية والقروية.
ويرى المقاولون، أن نسبة المقاولين المصنفين من إجمالي عدد المقاولين السعوديين العاملين في الميدان في الوقت الراهن قد لا يتجاوز نحو 1 في المائة، مرجعين الأمر إلى أن وكالة التصنيف غير قادرة على تصنيف هذا العدد الكبير، الذي يأخذ وقتا طويلا والمشاريع لا تنتظر؛ مما تسبب في حدوث عدم مواءمة بين عدد المقاولين المصنفين وحجم المشاريع المعتمدة في الميزانية.
يقول مسلم الحربي، الرئيس التنفيذي لشركة عبر المملكة السعودية سبك للمقاولات: إن ما تضمنته الميزانية من إيجابيات يؤكد متانة الاقتصاد الوطني، ويعزز الثقة فيه، ويضمن تحقيق التنمية المستدامة التي تهدف إليها الميزانية الجديدة، ومن يتابع خطوات القيادة الحكيمة في طريق التنمية الشاملة في المملكة يجزم بأن هناك توجها أكيدا ولا رجعة فيه بتعميم التنمية على جميع مناطق المملكة، وأن كل مواطن في أي منطقة في هذه البلاد هو معنيٌ بالتنمية الشاملة.
وأكد أن للقطاع الخاص وخصوصا قطاع المقاولات دورا كبيرا عقب إعلان الميزانية التاريخية مع ما تشهده المملكة خلال هذه المرحلة من تزايد نشاط البناء والتشييد والتوسعات التي ستؤدي إلى خلق فرص عمل لشركات المقاولات في المملكة، حيث يتوجب على الكثير منها تهيئة نفسها بما يتوافق مع الزيادة في الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية والخدمات العامة ومشاريع خطط التنمية، إضافة إلى مشاريع القطاع الخاص وقطاع المقاولات معنيّ بشكل رئيس بتحمل مسؤولية إنجاز مشاريع الميزانية وضرورة قيام المقاولين ببذل جهد أكبر للخروج بمنشآت قادرة على تحمل المشاريع الكبيرة في البلاد
و قال المهندس رائد العقيلي، نائب رئيس لجنة المقاولين في الغرفة التجارية الصناعية في جدة: إن المشاريع التي تتطلع الميزانية المالية للسعودية لتنفيذها في المستقبل، هي مشاريع جبارة وكبيرة، وتخدم الكثير من القطاعات الحيوية التي تهم الشعب، منها المشاريع الخدمية مثل المستشفيات، والمدارس، والطرق، والجامعات والكهرباء وغيرها، وبالتالي المقاول السعودي يستطيع مواجهة مثل تلك المشاريع الكبيرة، وهو واقع وملموس، فلو تم النظر في أكبر المشاريع التي أقيمت في السنوات الأخيرة، وعلى سبيل المثال مشروع منشأة الجمرات الضخم، نفذ من قبل مقاول سعودي، ولا أنسى التحدي الكبير الذي أقدم عليه أحد المقاولين السعوديين في تنفيذ المشاريع العاجلة لتصريف السيول في منطقة جدة، وقد نجح وبكل اقتدار في تسليم المشاريع في وقتها المحدد".
وتابع العقيلي حديثه "هذان المثالان من تنفيذ المشاريع العملاقة على أيدي مقاولين سعوديين، لم تنجز إلا بعد أن حققت لهم المطالب والتسهيلات التي ساعدتهم على سير تنفيذهم للمشاريع، وتجاوز العقبات كافة التي تواجه أي مقاول، وهذه العقبات طبيعية جدا، وتحدث وفق المعطيات التي تضعها الظروف في وجه المقاول المنفذ، سواء كان سعوديا أو أجنبيا، لكن المرتكز الأساسي في هذه العملية هو الدعم الحكومي للمقاول السعودي الذي يساعده في إتمام المشاريع سواء الصغيرة أو الكبيرة".
وأضاف العقيلي، أن ما يقارب من 90 في المائة من المشاريع المنفذة في السعودية، هي من قبل شركات مقاولة سعودية، وأصبحت تلك المشاريع من المنجزات التي تفتخر بها المملكة، على الرغم من أن الكثير من تلك المشاريع قد واجهها بعض من العقبات ولكن تم تجاوزها وأصبحت الآن معالم حضارية يشار إليها بالبنان، مثل شبكات الطرق السريعة، الأبراج الشاهقة، ولا سيما أبراج وقف الملك عبد العزيز الذي يعد ثاني أعلى برج في العالم، ونفذ عن طريق مقاول سعودي".
وحول اقتصار تنفيذ المشاريع الكبرى في السعودية على مقاولين محدودين عدة قياسا بالعدد الكبير للمقاولين الموجودين في المملكة قال العقيلي "هنا تكمن المعضلة، فلدينا مشاكل تنظيمية وبيروقراطية، تحد من توسع المقاولين المنفذين للمشاريع، بمعنى أن المشاريع الحكومية لا تسمح أن ينفذها سوى من يدخل التصنيف، ولو علمت أن نسبة المقاولين المصنفين الذين يحق لهم الدخول في المشاريع الحكومية لا تتجاوز 1 في المائة، والسبب في هذه النسبة الضئيلة أو وكالة تصنيف المقاولين غير قادرة على تصنيف هذا العدد الكبير، الذي يأخذ وقتا طويلا والمشاريع لا تنتظر؛ مما تسبب في حدوث عدم مواءمة بين عدد المقاولين المصنفين وحجم المشاريع المعتمدة في الميزانية".
وأبان العقيلي "أن من هذا المنطلق نشأت عمليات عقود الباطن، التي انتشرت في الآونة الأخيرة، والسبب مثل ما قلت آنفا يعود إلى أن السواد الأعظم من المقاولين لا يستطيعون الدخول في منافسات المشاريع الحكومية، فيتم إسنادها إلى مقاول مصنف وبدوره يشاركه مقاولون في الباطن لتنفيذ المشاريع".
من جهته، قال المهندس فائق خياط - مقاول سعودي والرئيس التنفيذي لشركة دروب الذهبية: "إن قطاع المشاريع التنموية يحظى بدعم سخي من الحكومة، وخصصت له حصص ضخمة من ميزانية الدولة هذا العام لتلبية احتياجات المواطن من المنشآت والخدمات التعليمية والصحية وخدمات الطرق والبنى التحتية وتوفير المياه والكهرباء والاتصالات وغيرها من الضروريات، ويعمد بعض المقاولين المصنفين من الدرجة الأقل إلى التضامن تضامنا صوريا مع مقاول مصنف من الدرجة الأولى؛ حتى يتمكن من تنفيذ المشروع الذي غالبا ما يكون أكبر من قدراته؛ مما ينتج منه مشاريع غير مستوفية لمعايير الجودة المطلوبة، وهناك بعض المقاولين لديهم عدد كبير من المشاريع يفوق قدرة المقاول المالية والإدارية والفنية، حيث أرى أن يتم تحديد عدد المشاريع التي يتم ترسيتها على مقاول واحد في العام الواحد".
وذهب خياط إلى أن القصور في الموارد البشرية أحد أهم المعوقات التي تواجه المقاول، حيث إن الأيدي العاملة غير كافية، وهذا ما تعانيه شركات المقاولات من صعوبة الحصول على تأشيرات؛ مما يعرقل سير وتنفيذ المشاريع.
وتساءل خياط عن الجدوى والفائدة التي تعود على الاقتصاد الوطني من دخول الشركات الأجنبية للسوق السعودي التي تأتي بموادها ومعداتها وعمالتها من دولها ولا يستفيد منها الاقتصاد المحلي ولا تنطبق عليها الكثير من الشروط التي تطبق على المقاول السعودي، فضلا عن أن المقاول السعودي يسهم في دورة رأس المال التي تخدم الاقتصاد المحلي، وبالتالي دعم جميع القطاعات الصناعية والبشرية التي تصب لصالح الاقتصاد الوطني، فيا حبذا لو يتم اشتراط دخول مقاول سعودي مع الشركة الأجنبية؛ وذلك ليتم رفع درجة تصنيفه واكتساب الخبرة الفنية والإدارية وبقاء جزء من رأس المال في المملكة، علما بأن هناك أكثر من 450 شركة وطنية مصنفة من الدرجة الأولى تنتظر إسنادها للمشاريع الكبيرة وبأسعار جيدة لتكون الجودة عالية، مؤكدا ومراهنا على حجم الأعمال في المملكة والذي يشهد توسعا كبيرا يدعم ذلك عدم وجود الضرائب والقيود والالتزامات المالية ما عدا الزكاة وتصل الربحية في السوق المحلية إلى 30 في المائة.
ودعا خياط إلى أن تتكلل جميع الجهود لدعم المقاول السعودي ليعود من جديد للمساهمة في اقتصاد الوطن مع ضرورة الوقوف مع الشركات الوطنية، سواء بدعم صندوق المقاولين أو إنشاء بنك لتمويل القطاع بالمساهمة فيه مع الدولة وبمشاركة البنوك المحلية، متمنيا أيضا فتح التراخيص للبنوك الأجنبية لدخول السوق السعودية في ظل إحجام وامتناع الكثير من البنوك المحلية عن تمويل شركات المقاولات، على الرغم من وجود الضمانات؛ مما سبب خسائر فادحة للشركات الوطنية، مشيرا إلى أن البنوك المحلية وصلت درجة تحفظاتها إلى عدم قبول الكثير من الضمانات، وهو ما سيترتب عليه آثار كبيرة في حالة استمرار ذلك لعام 2012 مما يضعف ويقلص المنافسة على التقدم للمناقصات والمشاريع الحكومية؛ مما يستلزم فتح التراخيص للبنوك الأجنبية لتغطية مشكلة التمويل.
من جانبه، أوضح المهندس هشام الخريجي، مدير تطوير الأعمال في شركة ألخريجي للتجارة والمقاولات، أن حجم المشاريع المطروحة وتنوعها يجعلها تتسع للمقاولين السعودي والأجنبي، والمقاول السعودي قادر ومؤهل على تنفيذ هذه المشاريع إذا ما وجد الدعم الذي أصبح ملموسا في كثير من الجهات الحكومية ووجود المقاول الأجنبي المؤهل والمتخصص من المفترض أن يكون إضافة وفرصة لنقل الخبرات للمقاول المحلي، وحاليا يوجد بعض الشركات الأجنبية المتعثرة مع أنه توافرت لها تسهيلات قد لا تتوافر للمقاول المحلي (العمالة مثلا ومن الحلول المطروحة شركات تأجير العمالة)؛ وذلك بسبب عدم معرفتها بالسوق المحلية. ويجب أن تكون الشركات الأجنبية معروفة وذات خبرة وتحرص على نقل الخبرات؛ لأنه يوجد الكثير من شركات الاستثمار الأجنبي ليست ذات خبرة وهي عبارة عن أشخاص سبق لهم العمل في السعودية.
وأضاف الخريجي، أنه ولإنجاح المشاريع أيضا يجب أن يتم دعم إدارات المشاريع في الجهات الحكومية والوزارات؛ حتى تستطيع أن تواكب هذا العدد من المشاريع، ويجب أن تفعل فكرة وثقافة الاندماجات بين الشركات الصغيرة والمتوسطة؛ حتى تستطيع المنافسة والحصول على حصة من المشاريع التنموية مثل مشاريع الإسكان والتي تشكر الدولة على حرصها وتخصيصها مبلغ 250 مليارا من الفائض لتمويلها.
وأكد الخريجي أن عدم وجود جهة تمويلية خاصة بالمقاولين مثل القطاع الصناعي أو العقاري، تعد أحد أهم المعوقات التي تواجه قطاع المقاولة في السعودية، حيث إن البنوك وحدها لا تستطيع أن تمول وتواكب حجم المشاريع المطروحة.
وقال "نحن كقطاع ندعم استراتيجية توطين الوظائف؛ لما له أثر إيجابي على المدى الطويل على جميع الصعد، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية ولكن لإنجاح خطة التوطين يجب أن تكون مخرجات منظومة التعليم الفني قادرة على استيفاء متطلبات شركات المقاولات من ناحية الأعداد وجودة الأداء.
وشدد الخريجي على أن البدء في تطبيق العقد الموحد سيحل الكثير من الإشكاليات الموجودة في العقود الحالية، خاصة أنها طبقت في بلدان مجاورة وأثبتت نجاحها وخدمتها لأطراف المشروع وهم الملاك والاستشاري والمقاول.

الأكثر قراءة