«جدوى»: توقعات بإنفاق «فعلي» أكبر من المقرر في 2012

«جدوى»: توقعات بإنفاق «فعلي» أكبر من المقرر في 2012
«جدوى»: توقعات بإنفاق «فعلي» أكبر من المقرر في 2012
«جدوى»: توقعات بإنفاق «فعلي» أكبر من المقرر في 2012

توقع تقرير صدر أمس أن يتجاوز الإنفاق الفعلي مستوى الإنفاق المقرر في الميزانية الحكومية، ملاحظا أن الإنفاق الفعلي قد تخطى تقديرات الميزانية بمعدل 24 في المائة في المتوسط خلال الأعوام العشرة الأخيرة.

وأكد التقرير الذي أصدرته «جدوى للاستثمار»، أن أولويات الصرف جاءت "متسقة مع أولويات موازنات الأعوام الأخيرة"، لافتا إلى أن قطاع التعليم حظي بالنصيب الأكبر من المخصصات التي تم الكشف عنها في الميزانية وشكلت مصروفاته 24 في المائة من إجمالي الإنفاق. وسجل قطاعي النقل والصحة والشؤون الاجتماعية أعلى نسبة زيادة في المخصصات.

وفيما يلي موجز لخطط الإنفاق على القطاعات الاقتصادية الرئيسة، ومجمل التقرير الذي أصدرته "جدوى للاستثمار":

سجل حجم الإنفاق الذي أقرته ميزانية 2012 مستوى قياسيا آخر يدل على استمرار الحكومة في برنامجها لتطوير البنيات التحتية البشرية والمادية، كذلك سجلت الإيرادات قفزة كبيرة رغم عدم الإعلان عن مبادرات جديدة، في إشارة إلى أن الحكومة أصبحت فيما يبدو أقل تحفظا بشأن تقديراتها لأسعار النفط، ولأول مرة منذ عام 2008 تقر المملكة ميزانية تتضمن فائضا.

وفي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى خفض نفقاتها؛ كي تتمكن من التحكم في العجز في موازناتها وتقليص ديونها نجد أن هذا الأمر لا يشكل هاجسا للمملكة، حيث تشتمل الميزانية على فائض وإن كان صغيرا والدَّين العام منخفض جدا، وحتى وإن طرأ عجز فيمكن تمويله بسهولة باستخدام احتياطي المملكة الضخم من الموجودات الأجنبية دون أن تضطر لإصدار دين جديد.

#2#

المصروفات

تم تقدير الحجم الإجمالي للمصروفات حسب ميزانية عام 2012 عند مستوى 690 مليار ريال بما يفوق المصروفات المقررة في ميزانية عام 2011 بنحو 19 في المائة، مسجلة بذلك أعلى نمو سنوي في إنفاق تقره الميزانية منذ عام 2006. أما التمويل اللازم لبناء 500 ألف وحدة سكنية والبالغ 250 مليار ريال فقد تم تحويله سلفا من فائض إيرادات ميزانية عام 2011 إلى حساب خاص لدى مؤسسة النقد العربي السعودي- حسب بيان الميزانية.
على الرغم من أن الإنفاق المقرر في الميزانية يقل كثيرا عن الإنفاق الفعلي للعام 2011، إلا أن ذلك لا يستدعي القلق، حيث إنه من الطبيعي أن يتخطى الصرف الحكومي الفعلي الإنفاق المقرر في الميزانية؛ لذا أتى إجمالي الإنفاق المقرر في العام الجديد أقل من الإنفاق الفعلي للعام السابق، وكان عام 2000 آخر عام تجاوز فيه الإنفاق المقرر في الميزانية الإنفاق الفعلي للعام الذي سبقه. ويعادل الفرق بين مستوى الصرف المقرر في ميزانية عام 2012 والصرف الفعلي في عام 2011 نحو 14 في المائة، مقارنة بمتوسط يبلغ 9 في المائة لسنوات العقد الماضي.

وقد جاء هذا الانحراف عن النمط المعتاد نتيجة لصرف مبالغ ذات طبيعة غير متكررة في عام 2011، حيث تم إنفاق 100 مليار ريال في شكل مكافأة راتب شهرين إضافيين منحت إلى موظفي الحكومة وتحويلات إلى صندوق التنمية العقاري وبنك التسليف السعودي، وهي مصروفات لن تتكرر عام 2012. على الرغم ذلك من، فإن بنود حزم الإنفاق الإضافي التي تم اعتمادها ستنعكس على حجم الإنفاق المقرر لعام 2012، وأهم تلك البنود هو رفع الحد الأدنى للأجور الذي سيكلف نحو ثلاثة مليارات ريال هذا العام (تم تحميل عام 2011 معظم هذه التكلفة الإضافية) وبرنامج إعانة الباحثين عن العمل والذي سيبدأ تطبيقه في كانون الثاني (يناير) (بدلا عن تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 كما كان مخططا في السابق) والذي تقدر تكلفته بنحو مليار ريال شهريا.

تم رفع الإنفاق الاستثماري حسب الميزانية إلى 265 مليار ريال، وهو مستوى يأتي متسقا مع مستويات العامين السابقين؛ ما يدل على أن معظم الزيادة المقررة في المصروفات تندرج تحت بنود الإنفاق الجاري. وتشكل المرتبات والأجور أكبر مكون للإنفاق الجاري، ومن المؤكد أنها ستكون أكبر مساهم في هذا المستوى المرتفع من الإنفاق. كذلك يرجح أن ترتفع تكاليف التشغيل والصيانة بسرعة وستصبح أحد أهم البنود في بند المصروفات الجارية خلال السنوات المقبلة عندما تنتقل معظم المشاريع إلى مرحلة التشغيل.

جاءت أولويات الصرف متسقة مع أولويات موازنات الأعوام الأخيرة، حيث حظي قطاع التعليم بالنصيب الأكبر من المخصصات التي تم الكشف عنها في الميزانية وشكلت مصروفاته 24 في المائة من إجمالي الإنفاق، وسجل قطاعي النقل والصحة والشؤون الاجتماعية أعلى نسبة زيادة في المخصصات. وفيما يلي موجز لخطط الإنفاق على القطاعات الاقتصادية الرئيسة:

قطاع التعليم وتنمية الموارد البشرية: ارتفعت مخصصات هذا القطاع إلى 169 مليار ريال، أي بنحو 13 في المائة، مقارنة بما تم تخصيصه للعام السابق. هذه المبالغ ستستخدم لتغطية أعمال التشييد الخاصة ببناء نحو 742 مدرسة جديدة و2,900 مدرسة قائمة، وكانت الأعوام الثلاثة الأخيرة قد شهدت تمويل 2,552 مدرسة جديدة، أي بمعدل يزيد على مدرستين كل يوم. كذلك سيتم بناء أكثر من 40 كلية جديدة، كما سيتواصل العمل في بناء مرافق الجامعات التي فُتحت أخيرا. تم تخصيص مبلغ 25 مليار ريال لمشروع الجامعة الإلكترونية، وليس هناك خطط لإنشاء جامعات جديدة. كذلك خُصصت نحو 20 مليار ريال لتغطية تكاليف أكثر من 120 ألف طالب سعودي يدرسون في الخارج مع أسرهم خلال عام 2011.

قطاع الصحة والشؤون الاجتماعية: تم تخصيص 86,5 مليار ريال لهذا القطاع بزيادة قدرها 26 في المائة عن مخصصات عام 2011. هذه الزيادة الكبيرة في المخصصات ربما تعكس البدء في تطبيق برنامج إعانة الباحثين عن العمل ومنح 16 مليار ريال إضافية لصرفها على مدى فترة زمنية غير محددة ضمن حزم الإنفاق الإضافية التي تم اعتمادها مطلع عام 2011. وتخطط الدولة للبدء في تشييد 17 مستشفى جديدا خلال عام 2012، بالإضافة إلى 130 مستشفى قيد الإنشاء.

قطاع المياه والزراعة والتجهيزات الأساسية: تلقى هذا القطاع 57,5 مليار ريال بزيادة بلغت 13 في المائة عن مخصصات عام 2011. وقد تم تخصيص مبالغ لمشاريع جديدة في المدن الصناعية، بالإضافة إلى تعزيز شبكات إمداد المياه وتحسين وترقية شبكات المياه والصرف الصحي.

قطاع النقل والاتصالات: حظي هذا القطاع بأكبر زيادة في المخصصات مقارنة بجميع القطاعات التي تم الإعلان عنها، حيث خُصص له مبلغ 35 مليار ريال بزيادة 5 في المائة فوق مستويات عام 2011. وتعود هذه الزيادة الكبيرة إلى التقدم الذي أحرز بشأن تطوير مطار الملك عبد العزيز في جدة، والتي ربما تكون نتيجة لمبالغ كبيرة يتم دفعها مع اكتمال المشروع أو قد تكون تكاليف تشغيل، حيث اكتمل العمل بنسبة 90 في المائة ويجب الفراغ منه بنهاية أيلول (سبتمبر) 2012. بالإضافة إلى ذلك، سيبدأ العمل في شق طرق جديدة تبلغ أطوالها 4,200 كيلومتر مع الاستمرار في المشاريع قيد الإنشاء البالغة أطوالها 28,100 كيلومتر. باكتمال هذه المشاريع تكون شبكة الطرق في المملكة قد ازدادت بنحو 17 في المائة.

قطاع الخدمات البلدية: ارتفعت مخصصات القطاع في الميزانية الجديدة إلى 29 مليار ريال، بزيادة 19 في المائة عن مخصصات العام السابق. وبقي الإنفاق في هذا القطاع يتركز على المجالات نفسها كما في السنوات السابقة.

ونعتقد أن الإنفاق على قطاع الدفاع والأمن يمثل أكبر بنود الإنفاق الحكومي، على الرغم من عدم الإعلان عنه في الميزانية، وقد شكلت مخصصات هذا القطاع 31 في المائة من ميزانية عام 2011 وهي أقل نسبة منذ عام 1984. وقد تم خلال الأعوام الأخيرة توقيع عقود دفاعية بمليارات الدولارات، كما تشير بعض التقارير الإعلامية المتفرقة إلى وجود اتفاقيات جديدة، لكن لأنه يتم صرف تلك المبالغ على مدى عدد من السنوات لن تنعكس بصورة كبيرة على الإنفاق في عام 2012.

الإيرادات

قدّرت ميزانية العام 2012 إجمالي الإيرادات بنحو 702 مليار ريال نتوقع أن تسهم مبيعات النفط بنحو 85 في المائة منها، لكن لا تتوافر تفاصيل رسمية بهذا الخصوص. وكما جرت العادة لم يُكشف عن متوسط سعر النفط ولا حجم الإنتاج اللذين بني عليهما تقدير الإيرادات النفطية في الميزانية، إلا أننا نرى أن من شأن متوسط للإنتاج اليومي يبلغ 8,8 مليون برميل ومتوسط لسعر سلة الخامات السعودية يبلغ 69 دولارا للبرميل (ما يعادل نحو 65 دولارا لبرميل خام غرب تكساس و73 دولارا لمزيج برنت) أن يستوفيا الإيرادات النفطية المقررة في الميزانية.

من البديهي أن تتم صياغة الميزانية على أساس تقدير متحفظ لأسعار النفط، فخلال العقد الماضي جاء السعر الفعلي للنفط أعلى بواقع 70 في المائة في المتوسط عن السعر المستخدم في وضع تقديرات الميزانية (نرجح أن السعر الفعلي كان أعلى من السعر التقديري بواقع 85 في المائة بالنسبة لعام 2011)، وكانت آخر سنة انخفض فيها متوسط السعر الفعلي للنفط مقارنة بالسعر المستخدم في تقديرات الميزانية هي عام 1998. حاليا يتم بيع خام غرب تكساس بسعر 99,7 دولار، أي أعلى بواقع 52 في المائة عن مستوى السعر الذي نعتقد أنه اُستخدم في صياغة تقديرات الميزانية.

مع ذلك، فالقفزة في الإيرادات تشير إلى أن الحكومة أصبحت أقل تحفظا بشأن توقعاتها لسعر النفط خلال عام 2012. وقد قدرت الميزانية أن الإيرادات سترتفع بنسبة 30 في المائة، على الرغم من أننا نتوقع أن يأتي كل من سعر النفط وحجم الإنتاج دون مستوياتهما لعام 2011 (انظر النص المظلل). ونعتقد أن الإيرادات ستزيد على تقديرات الحكومة بدرجة مريحة ونرى أن استخدام تقدير واقعي لسعر النفط هو أمر سليم. بصفة عامة تشكل الإيرادات الأساس الذي تحسب بناءً عليه المصروفات، وقد أسهم التقدير غير الواقعي لإيرادات النفط وبالتالي تقديرات الإنفاق في رفع مستويات تجاوز الإنفاق خلال السنوات الماضية.

لم يتم الإعلان عن تقديرات الإيرادات غير النفطية في الميزانية والتي يأتي معظمها من رسوم الخدمات الحكومية والتعرفة الجمركية، وهما موردان نرجح أن يرتفعا بدرجة كبيرة نتيجة لقوة الأداء الاقتصادي. وعلى الرغم من أن الاحتياطيات الأجنبية سجلت أعلى مستوى لها على الإطلاق، لكننا لا نتوقع أن يشهد الدخل الاستثماري تغيرا يذكر مقارنة بالسنوات القليلة الماضية بسبب التراجع المستمر في فائدة السندات الأمريكية التي نعتقد أنها تشكل معظم الموجودات الأجنبية لحكومة المملكة. ولم تتضمن بيانات الميزانية تبني أي سياسات جديدة لزيادة الموارد غير النفطية.

توقعات جدوى بشأن الميزانية

نتوقع تسجيل فائض قدره 91 مليار ريال في ميزانية عام 2012، وهو ما يعادل 4,5 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي المتوقع، وذلك على أساس تقديرنا بأن تأتي أسعار النفط الفعلية أعلى من المستويات التي استخدمت في الميزانية؛ ما يؤدي إلى تجاوز إيرادات النفط الفعلية الإيرادات المقررة بموجب الميزانية (انظر النص المظلل). كما نتوقع أن تسهم العائدات النفطية بمبلغ 744 مليار ريال في الميزانية، بالإضافة إلى 80 مليار ريال من العائدات غير النفطية.

سيتخطى الإنفاق الفعلي مستوى الإنفاق المقرر في الميزانية، حيث نجد أن الإنفاق الفعلي قد تخطى تقديرات الميزانية بمعدل 24 في المائة في المتوسط خلال الأعوام العشرة الأخيرة. وجاءت حدة تجاوز الإنفاق الفعلي للمستويات المقررة في ميزانية 2011 أعلى من ذلك المعدل وبلغت 39 في المائة؛ وذلك بسبب التزامات الصرف التي تضمنتها المراسيم الملكية التي تم الإعلان عنها في شباط (فبراير) وآذار (مارس). وفي ضوء تلك المراسيم غير المتكررة ورؤيتنا بأن كلتا الإيرادات والمصروفات - حسب الميزانية -جاءت أقل تحفظا من المعتاد، فينتظر أن يأتي تخطي الإنفاق الفعلي للمستويات المقررة متمشيا مع النمط التاريخي ونتوقع أن يبلغ الإنفاق الإجمالي نحو 733 مليار ريال.

حسب توقعاتنا يبلغ مستوى سعر النفط اللازم كي تتعادل الإيرادات مع المصروفات العامة، والذي يعرف بالسعر التعادلي، 74 دولارا للبرميل لخام الصادر السعودي (ما يعادل نحو 70 دولارا لخام غرب تكساس، و78 دولارا لخام برنت). وقد بنينا حساب هذا السعر على افتراض أن يبلغ متوسط الإنتاج الكلي 8,8 مليون برميل يوميا وأن يكون الاستهلاك المحلي في حدود 2,4 مليون برميل. وقد أدى إنتاج الغاز من حقل كران الذي بدأ العمل في تموز (يوليو) إلى تقليل تأثير ارتفاع حجم استهلاك الطاقة المحلي على الطلب المحلي للنفط. وبما أن الإنتاج من حقل كران لن يبلغ طاقته الكاملة إلا في عام 2013، فيتعين أن يخفف هذا الحقل بعض العبء عن النفط كمصدر للطاقة للاستهلاك المحلي خلال عام 2012.

الأداء المالي في عام 2011

ارتفع حجم فائض الميزانية عام 2011 وبلغ 306 مليارات ريال، مسجلا ثاني أعلى رقم قياسي، أي ما يعادل 14,1 في المائة من الناتج الإجمالي. ويعود الفضل في ارتفاع الفائض إلى زيادة الإيرادات النفطية نتيجة لزيادة متوسط سعر النفط بنسبة 35 في المائة مدعومة بزيادة في حجم الإنتاج بلغت نسبته 13 في المائة (ازدادت الصادرات بنسبة 19 في المائة). وعلى الرغم من أن الإنفاق الفعلي تخطى الإنفاق المقرر في الميزانية بدرجة كبيرة، إلا أن زيادة الإيرادات النفطية فاقت ذلك المستوى.

سجلت الإيرادات الفعلية أعلى مستوى لها على الإطلاق، حيث بلغت 1,110 مليار ريال مرتفعة بنسبة 104 في المائة عن الإيرادات المقدرة في الميزانية وبنسبة 50 في المائة عن مستواها عام 2010؛ وذلك بسبب تخطي أسعار النفط للمستوى المقدر لها في الميزانية. ونعتقد أن ميزانية العام 2011 بنيت على متوسط لسعر الخامات السعودية يبلغ 56 دولارا للبرميل وحجم إنتاج يبلغ 8,3 مليون برميل في اليوم. وبما أن العام شارف على الانقضاء فمن المرجح أن متوسط السعر الفعلي للنفط السعودي يقارب 105 دولارات للبرميل. وسيكون متوسط الإنتاج عند 9,3 مليون برميل في اليوم عقب رفعه؛ بهدف التعويض عن النقص الكبير في إنتاج ليبيا بسبب الصراع هناك. وبلغت الإيرادات غير النفطية 78 مليار ريال، بزيادة 10 في المائة عن مستواها عام 2010.

بلغت المنصرفات الفعلية 804 مليارات ريال بزيادة 39 في المائة عما ورد في مقررات في الميزانية و25 في المائة عن مستواها عام 2010، وتعتبر هذه الزيادة السنوية هي الأعلى منذ عام 2000 مقارنة بمتوسط زيادة 13 في المائة خلال العقد الماضي. ونعتقد أن زيادة الإنفاق تعود إلى ضخامة المبالغ التي اعتمدت بموجب حزم الإنفاق الإضافي التي تم الإعلان عنها خلال الربع الأول من العام، كان أكبرها مكافأة راتب شهرين منحت إلى موظفي الدولة تراوحت تكلفتها ما بين 35 و40 مليار ريال بالإضافة إلى 40 مليار ريال تم تحويلها إلى صندوق التنمية العقارية و20 مليار ريال إلى بنك التسليف السعودي. ورغم عدم إنفاق معظم مبلغ الـ60 مليار ريال هذا، إلا أنه تحوّل من حسابات الحكومة إلى حسابات تلك الجهات المعنية؛ ما يعني أن كامل المبلغ سُجل كإنفاق حكومي.

أضافت الالتزامات التي تضمنتها حزم الإنفاق الإضافي التي تم الإعلان عنها في شباط (فبراير) وآذار (مارس) عبئا جديدا على فاتورة الأجور، خاصة الزيادة في الحد الأدنى لأجور موظفي الدولة وتعيين 60 ألف موظف جديد في وزارة الداخلية. لم يتضمن خطاب الميزانية تفاصيل عن حجم الإنفاق الجاري والإنفاق الاستثماري. من المهم ملاحظة أن التقديرات الأولية لأداء الميزانية المتضمنة في بيان الميزانية يتم تعديلها في كثير من الأحيان، وبصفة عامة تتم زيادة الأرقام الخاصة بالإيرادات والمصروفات على حد سواء، لكن الأخيرة غالبا ما ترتفع بنسبة أكبر.

تم خفض الدين الحكومي إلى 135,5 مليار ريال بنهاية عام 2011، ما يعادل 6,3 في المائة فقط كنسبة من الناتج الإجمالي. وقد ارتفعت حيازات البنوك التجارية من الدين الحكومي وشبه الحكومي بواقع 20,6 مليار ريال خلال الأشهر العشرة الأولى من العام بسبب ارتفاع أذونات الخزانة بنحو 34,9 مليار ريال استخدمت في امتصاص السيولة التي خلفها الإنفاق الحكومي الضخم، لكن تراجعت حيازات البنوك من السندات الحكومية طويلة الأجل بنحو 14,2 مليار ريال لتصبح 47,7 مليار ريال، وهو أدنى مستوى لها منذ منتصف عام 2006. أما الجهات الأخرى التي تحتفظ بمعظم أدوات الدين الحكومي فهي صندوق معاشات التقاعد والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. وكانت حيازات هذه المؤسسات من الدين الحكومي تتم مقايضتها في السابق بموجودات تقوم بإدارتها جهات حكومية أخرى. ونعتقد أن عمليات مقايضة شبيهة قد مكّنت من خفض الدين الكلي في عام 2011.

#3#

الأداء الاقتصادي عام 2011

اشتملت الميزانية على بيانات أولية عن الاقتصاد الكلي للعام 2011 أشارت إلى تحسن كبير في الأداء الاقتصادي، حيث جاء نمو الاقتصاد غير النفطي أعلى بكثير من توقعاتنا كما سجل القطاع الخاص غير النفطي أعلى معدل نمو منذ أوائل الثمانينيات. وقد نتج من ارتفاع الإيرادات النفطية نمو كبير في الناتج الإجمالي الاسمي، وكذلك في فائض الحساب الجاري. كذلك تراجع معدل التضخم.

نما الناتج الإجمالي الفعلي بنسبة 6,8 في المائة، مسجلا أسرع معدل له منذ عام 2003، مقارنة بنمو قدره 4,1 في المائة عام 2010. وكنا قد توقعنا ارتفاعا كبيرا في النمو الاقتصادي بسبب زيادة المملكة إنتاجها عام 2011 للتعويض عن نقص النفط الليبي ولتلبية الطلب المتزايد، خاصة من آسيا. نما القطاع النفطي بنسبة 4,3 في المائة فقط؛ ولذلك تحقق النمو بدفع من القطاع الخاص. ونعتقد أنه على الأرجح ستجرى تعديلات جذرية على البيانات الأولية الخاصة بالناتج الإجمالي الفعلي.

سجل القطاع الخاص غير النفطي نموا بنسبة 8,3 في المائة. وكنا قد توقعنا تحسنا عام 2011 بسبب الارتفاع الكبير في الإنفاق الحكومي، الذي أدى إلى تعزيز ثقة الشركات والمستهلك وإلى ارتياح البنوك لظروف عمليات الإقراض، وذلك على الرغم من الاضطرابات التي تشهدها المنطقة وتنامي المخاوف بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي والتوقعات باستمرار ضعف أداء الأسهم لعام آخر. ولكن، معدلات النمو في القطاعات جاءت أعلى من توقعاتنا، حيث نمت ثلاثة قطاعات برقم مزدوج: قطاع التصنيع (15 في المائة)، قطاع التشييد (11,6 في المائة) وقطاع النقل والاتصالات (10,1 في المائة). وتعتبر معدلات النمو هذه مرتفعة جدا مقارنة بالأعوام الماضية وغير متسقة مع البيانات الشهرية مثل حجم صادرات البتروكيماويات ومبيعات الأسمنت. وجاء النمو في القطاعات الأخرى وفقا للتوقعات، حيث نما قطاع التجزئة بنحو 6,4 في المائة وقطاع الكهرباء والماء والغاز بنحو 4,2 في المائة وقطاع الخدمات المالية بنحو 2,7 في المائة.

ارتفع الناتج الإجمالي الاسمي بواقع 28 في المائة عام 2011، وهو أعلى معدل له منذ 1980؛ وذلك بسبب ارتفاع إيرادات النفط بدرجة كبيرة مقارنة بمستواها عام 2010 نتيجة لارتفاع الأسعار وزيادة حجم الإنتاج. بلغ الناتج الإجمالي الاسمي 2,163 مليار ريال؛ ما جعل حجم الاقتصاد يسجل أكبر مستوى له على الإطلاق. وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي فإن هذا النمو الاقتصادي يجعل المملكة تحتل المرتبة الـ21 في ترتيب دول العالم بين السويد وبولندا.

تم تقدير معدل التضخم عند مستوى 4,9 في المائة مقارنة بمعدل 5,3 في المائة في عام 2010. هناك نزعة إلى تقديم بيانات عن التضخم في خطاب الميزانية تختلف عن تلك التي تعلنها مصلحة الإحصاءات العامة على أساس شهري، ولكن بيانات عام 2011 جاءت أقرب. فحسب مصلحة الإحصاءات العامة بلغ متوسط التضخم خلال الـ11 شهرا الأولى من العام 4,9 في المائة. ويعود التراجع الطفيف لمعدل التضخم في عام 2011 إلى انخفاض أسعار المواد الغذائية والإيجارات.

وقد أدى الارتفاع الهائل في الإنفاق الاستهلاكي الناجم عن مكافأة راتب الشهرين التي منحت إلى موظفي القطاع العام إلى زيادة التضخم، لكن إذا نظرنا إلى امتداد الإنفاق نجد أن ارتفاع التضخم في بعض الفئات مثل التعليم والترفيه والنقل والاتصالات كان ضعيفا بدرجة واضحة. مقياس آخر للتضخم هو معامل انكماش الناتج الإجمالي للقطاع غير النفطي الذي ارتفع إلى 6,1 في المائة من 1,5 في المائة في عام 2010، وهذا المعدل هو الأعلى منذ 1991 ويساوي ضعف الرقم الذي تم تسجيله عام 2008 عندما بلغ تضخم سعر المستهلك أعلى مستوياته. هذا المعيار هو الوحيد المتاح على أساس سنوي وهو عبارة عن الفرق بين الناتج الإجمالي الفعلي والناتج الإجمالي الاسمي ويقيس أسعار جميع السلع غير النفطية التي يتم استهلاكها داخل الاقتصاد.

سجل فائض الحساب الجاري مستوى قياسيا جديدا، حيث بلغ 598 مليار ريال مرتفعا عن 250 مليار ريال وهو المستوى الذي كان عليه عام 2010. وعلى الرغم عدم توافر تفاصيل كافية عن الحساب الجاري، إلا أنه يتضح أن الزيادة كانت نتيجة لارتفاع إيرادات النفط (التي شكلت نحو 80 في المائة من إجمالي قيمة الحساب الجاري). أدى ارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنتاج إلى زيادة الإيرادات النفطية إلى 1,134 مليار ريال، ما يعادل 88 في المائة من إجمالي إيرادات الصادرات. وارتفعت الصادرات غير النفطية بنسبة 14 في المائة وهو معدل بطيء في ظل ارتفاع أسعار البتروكيماويات خلال العام، بينما ارتفعت الواردات بنحو 2 في المائة فقط، وهو معدل يتسق مع البيانات الشهرية للتجارة الخارجية. وتشير بيانات الأشهر العشرة الأولى من عام 2011 إلى أن الواردات من المعدات والمواد الخام فاقت بدرجة كبيرة مستواها عام 2010؛ والمعدات الوحيدة التي سجلت وارداتها تراجعا من بين تلك المعدات التي تم نشر تفاصيل بشأنها هي معدات النقل. ولم يتم نشر بيانات أخرى عن الحساب الجاري.

الملامح المستقبلية لعام 2012

نتوقع أن يتواصل انتعاش الاقتصاد السعودي لسنة أخرى عام 2012، لكن النمو سيتباطأ بسبب انخفاض حجم إنتاج النفط. كما نتوقع أن يتعزز نمو القطاع غير النفطي نتيجة لزيادة التوسع في تنفيذ المشاريع الاستثمارية الحكومية، وخاصة في قطاع المساكن. كذلك ستبقى القروض المصرفية داعمة للنمو وسيتراجع الأثر السلبي للاضطرابات التي تشهدها المنطقة. وسيتراجع معدل التضخم قليلا بسبب انحسار ضغوط الإنفاق المحلي وتقلص الضغوط الخارجية. ونتوقع انخفاض أسعار النفط نتيجة لتباطؤ نمو الطلب بسبب ضعف الاقتصاد العالمي من جهة وزيادة العرض بسبب زيادة الإنتاج من ليبيا والعراق من جهة أخرى.

نتوقع أن يتراجع معدل نمو الاقتصاد السعودي إلى 2,7 في المائة عام 2012 بسبب انخفاض حجم إنتاج النفط مقابل انتعاش النمو في القطاعات غير النفطية. وسيظل الإنفاق الحكومي الكبير يعمل بمثابة المحرك للاقتصاد غير النفطي مدعوما بالقروض المصرفية الكبيرة. وسيكون قطاعا المرافق العامة والبناء والتشييد، باعتبارهما المستفيدين الرئيسين من الإنفاق الحكومي الضخم، أسرع القطاعات نموا في الاقتصاد.

نتوقع أن ينخفض معدل التضخم خلال عام 2012 إلى 4,4 في المائة في المتوسط بفضل تراجع الضغوط التضخمية من الخارج. ونعتقد أنه ستكون هناك بعض الضغوط التضخمية المحلية نتيجة لارتفاع مستويات الإنفاق الحكومي والاستهلاكي على حد سواء. كما يتعين أن ينخفض تضخم الإيجارات مع دخول المزيد من العقارات إلى السوق، حيث إن ارتفاع الإيجارات خلال الشهور الماضية كان نتيجة لزيادة مؤقتة في مداخيل المستهلكين، وهو ما يعني أن الانخفاض لن يكون كبيرا. ولا نتوقع أي تغيرات فيما يتعلق بسياسة ربط سعر صرف الريال بالدولار. وسيؤدي انخفاض إيرادات النفط إلى تراجع طفيف في فائض الحساب الجاري، لكنه سيظل ضخما وسيعادل أكثر من 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

رغم أن صورة الاقتصاد ستتحسن عام 2012، لكنه سيكون العام الرابع على التوالي الذي يعتمد فيه النمو الاقتصادي على الإنفاق الحكومي بدرجة كبيرة. ومع أن الحكومة تستطيع تحمل ذلك الإنفاق، إلا أن النمو الاقتصادي الذي يأتي نتيجة لذلك لن يكون مثيرا للإعجاب. أما المخاطر التي قد تقوض من تقديراتنا فتتركز حول الأوضاع في منطقة اليورو؛ ذلك أن أي تفكيك للعملة الموحدة للإقليم بطريقة غير منظمة ستترتب عليه تداعيات خطيرة لن تكون المملكة بمنأى عنها.

الأكثر قراءة