عندما يكون الكذب خليجيا!
أن يتمنى الغنوشي وزمرته ربيعا عربيا في السعودية، فهذا أمر مفهوم وغير مستغرب، وأن تتلقف قنوات فضائية ذلك عبر استفتاءات شبه أسبوعية طوال عام كامل، فهذا أيضا أمر مفهوم، أما أن تدعي صحيفة خليجية أن السعودية واجهت ربيعا عربيا، وأنها من ضمن الدول التي زارها هذا المدعو ''ربيع''، فلا نقول إلا: اللهم اكفنا شر أصدقائنا أما أعداؤنا فنحن كفيلون بهم!
الأسبوع الماضي نشرت صحيفة ''غلف نيوز Gulfnews''، أكثر الصحف الإماراتية انتشارا، ملفا موسعا عن الربيع العربي خلال عام، واحتل نصف الصفحة الأولى وست صفحات داخلية، عُرض فيه بالتواريخ والتفاصيل اندلاع شرارة الربيع العربي انطلاقا من تونس فمصر ثم ليبيا وتواليا في اليمن وسورية والأردن والمغرب والبحرين وعمان. المفاجأة الكبرى والصادمة، أن السعودية كانت ضمن دول الربيع العربي، تخيلوا إلى أين يمكن أن يصل التزوير؟!
لم تنته الحكاية عند رسم بياني نشر على مساحة واسعة من صفحتين، كانت خارطة السعودية تتوسط تلك الدول التي واجهت الربيع العربي، قبل أن تأتي الطامة الكبرى في تقرير خاص أعد عن السعودية من مكتب الصحيفة في دبي، وتضمن أكاذيب ومزاعم تم اختراعها فقط لكي تحبك القصة وفقا للسيناريو الذي أراد له فريق الصحيفة، فمثلا تم اعتبار القرارات الملكية التي أعلنت في أعقاب رحلة خادم الحرمين الشريفين العلاجية بأنها لـ ''كبح القلاقل''، وأن السعودية شهدت ''موجة'' من المظاهرات، ''لكن حُظرت الاحتجاجات بذريعة أن الحكومة لن تتحمل أي تهديد للأمن القومي والاستقرار!''.
لن أتحدث هنا عن حقوق الجوار، أو المواطنة الخليجية، وغير ذلك من الكلام الإنشائي، سأتحدث بصفة مهنية خالصة، متسائلا عن المعايير التي اعتمدت عليها الصحيفة لكي تصل لهذا الإنجاز العظيم؟ وهل عودة رجل واحد بـ ''خفي حنين'' تسوغ لأي من كان أن يدعي وجود ربيع في السعودية؟ ماذا لو قلبنا الآية وزعمنا أن اعتقال بعض أفراد جماعة الإخوان المسلمين في الإمارات وحظر التظاهرات، دليل على أن الإمارات شهدت أيضا ربيعا عربيا، وأن القرارات الأخيرة برفع الرواتب هي من سبيل ''رشوة'' الشعب لكي يتخلى عن مطالبه بالديمقراطية، فهل تجوز هذه المزاعم التي لا يفعلها ولا يدَّعيها إلا شخص فاقد للمنطق والواقعية؟
لست في معرض الحديث عن تقديري لأهل الإمارات الذين عشت معهم أربع سنوات جميلة، كما لست في حاجة إلى التذكير بحب أهل الإمارات للسعودية، وشعبها على وجه الخصوص، والذي لمسته ويلمسه كل السعوديين الذين يزورون الإمارات، وبالتأكيد مثل هذه الادعاءات المبنية على أباطيل وأكاذيب لا تمثل غير الصحيفة نفسها، لكن الخطورة هنا أن مثل هذه المزاعم والاختلافات قد تتسبب في حساسية بين أهل الخليج، الذين هم أنفسهم يواجهون هجمة إعلامية وثقافية غير مهنية من وسائل إعلامية عربية، أفلا نستغرب ونحن نرى مثل هذا التزوير من صحيفة خليجية؟
لو جاء هذا الادعاء الكاذب من قبل صحيفة سعودية ضد أهلنا في الإمارات، لكان موقفنا نفسه لا يتغير، فالظروف والتحديات والمخاطر التي تواجهها دول الخليج مشتركة، ومن غير المناسب واللاأخلاقي أن تدعي كذبا صحيفة خليجية على دولة جارة شقيقة، بل من الأسرة الخليجية، فهذا ما لا نتوقعه من جميع الخليجيين، وعلى رأسهم أهلنا في الإمارات.