من يستطيع إنقاذ أوروبا المثقلة بالديون؟

انتهت القمة الأوروبية في نهاية الأسبوع الماضي وقبلها قمة دول العشرين دون الاتفاق على المساعدة من خلال الدعم المباشر لحل مشكلة الديون الأوروبية. ولكن خلال الأسابيع الماضية، ظهرت بعض المبادرات الثنائية لتوفير الدعم غير المباشر من خلال زيادة الموارد المالية لصندوق النقد الدولي. في الجانب الآخر، حاول القادة الأوروبيون استباق القمة من خلال الإعلان عن الرغبة في تأسيس صندوق الإنقاذ الأوروبي التابع للصندوق الأوروبي للاستقرار المالي، وكذلك رفع مستوى التوقعات بأن الدول ذات الفوائض المالية من خارج منطقة اليورو وبعض المستثمرين التقليديين سوف يبادرون إلى المشاركة في هذا الصندوق في أقرب فرصة لحل مشكلة الديون الأوروبية.

إن المبالغ المرصودة حاليا للصندوق الأوروبي للاستقرار المالي هي 440 مليار يورو، ولكن الاحتياجات التمويلية المقدرة لصندوق الإنقاذ الأوروبي هي أكثر من 1 تريليون يورو، اعتماداً على حجم الرفع المالي (Leverage) الذي سيتم الاتفاق عليه من قبل وزراء المالية في منطقة اليورو. وعلى الرغم من أن هذا الحجم الكبير يمكن أن يعالج شح السيولة في بعض الدول المتضررة في منطقة اليورو، إلا أن جذب الكثير من المستثمرين سوف يكون التحدي الأكبر للدول الأوروبية بسبب فقدان الثقة من قبل المستثمرين بأن الدول الأوروبية قادرة على حل مشكلة الديون الأوروبية وحدها. علاوة على ذلك، نظراً للحجم الهائل من الاحتياجات التمويلية المحتملة استناداً إلى حجم أسواق السندات السيادية وبالخصوص إيطاليا التي يقدر حجم ديونها بما يقارب 1.8 تريليون يورو – فإن الأوروبيين يسعون إلى توفير التمويل اللازم من قبل المؤسسات العامة والخاصة. لذا من هم فئة المستثمرين الذين من المحتمل أن تكون لديهم الرغبة في الاستثمار في صندوق الإنقاذ الأوروبي؟

في البداية، ليس كل الصناديق السيادية لديها الرغبة في ذلك لأن لكل منها أهدافا واستراتيجيات محددة. في العموم، هناك ما لا يقل عن 4 أنواع من الصناديق السيادية:

• صناديق الاستقرار الاقتصادي: هدفها الرئيسي المحافظة وحماية الاقتصاد المحلي من التقلبات الاقتصادية، وبالأخص التقلبات الناتجة من التغير في أسعار السلع الأساسية مثل أسعار النفط بالنسبة للدول المصدرة للبترول. وهذا النوع من الصناديق ليس من المتوقع أن تساهم في الاستثمار لأنها ترغب في استثمار مواردها المالية في أدوات استثمارية ذات سيولة عالية.
• صناديق الاستثمار للأجيال القادمة: هدفها الأساسي تنمية الموارد المالية من الريع الاقتصادي الناتج من تصدير السلع الأساسية والاحتفاظ به للأجيال القادمة الذين لهم نصيب وحق معين من ثروة الاقتصاد الحالي (مثل مؤسسة الاستثمار الكويتية ومؤسسة أبوظبي للاستثمار). وهذا النوع من الصناديق ممكن أن تساهم في الاستثمار في صندوق الإنقاذ الأوروبي لأنها ترغب في استثمار مواردها المالية في أدوات استثمارية منخفضة أو متوسطة المخاطر.
• صناديق الموجودات الأجنبية: هدفها الأساسي تنمية جزء من موجودات البنك المركزي للحصول على عوائد أعلى من تلك التي يحصل عليها البنك المركزي (مثل صندوق كوريا الجنوبية للموجودات الأجنبية). وهذا النوع من الصناديق من المحتمل أن تشارك في شراء السندات الأوروبية بحد بسيط جدا لأنها تفضل الأدوات الاستثمارية ذات السيولة العالية جدا للمحافظة على موجودات البنك المركزي من العملات الأجنبية.
• صناديق التنمية: وهدفها الرئيسي تنويع قاعدة الإنتاج للاقتصاد المحلي وتقليل الاعتماد على الريع الاقتصادي (مثل شركة مبادلة للتنمية التابعة لحكومة ابوظبي، أو صندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية). وهذا النوع من الصناديق لن تقوم بالاستثمار في صندوق الإنقاذ الأوروبي لأن هذا لا يتفق مع هدفه الأساسي.

لذلك فإن مشاركة بعض الصناديق السيادية غير كافية لتوفير التمويل اللازم حتى مع افتراض وجود الرغبة لاستثمار جزء من مواردها، لأن أي استثمار من قبل صناديق الثروة السيادية سيكون على نطاق محدود نظراً لكون حجمها الكلي في حدود 4 تريليون دولار فقط. هذا يعني أنه حتى لو افترضنا أنها استثمرت 5 في المائة من أصولها في صندوق الإنقاذ الأوروبي على الرغم من أن هذا يعتبر تغيراً كبيراً في تكوين محافظ الصناديق السيادية خلال فترة قصيرة من الزمن، فإن هذا يعني استثمار 200 مليار دولار من أصولها في سندات صادرة من صندوق الإنقاذ الأوروبي. وربما يتوقع البعض أن هذه الصناديق السيادية سوف تقوم بالاستثمار في منطقة اليورو بناء على دوافع سياسية، إلا أن هذا ليس صحيحا لأن صناديق الثروة السيادية التي تلتزم بمبادئ سانتياغو لن تقوم بالمشاركة في صندوق الإنقاذ الأوروبي إلا عندما يكون هناك حافز مالي واقتصادي بدلاً من الاندفاع بسبب دوافع سياسية تبعاً للمبادئ. وهذا ما صرحت به الصين في أكثر من مناسبة، وكذلك دولة النرويج لأنها في مرحلة تغيير سياستها الاستثمارية عن طريق تقليل الاستثمار في السندات الأوروبية وبالخصوص صندوق الإنقاذ الأوروبي (لأن سنداته المهيكلة معقدة وغير شفافة) وفي الوقت نفسه زيادة حصة الاستثمار في الدول الصاعدة اقتصاديا في قارة آسيا.

إذا كانت الصناديق السيادية لا يمكنها توفير التمويل اللازم منفردة، لذا من هم الدائنون الآخرون الذين من المحتمل أن تكون لديهم الرغبة في المساهمة في صندوق الإنقاذ الأوروبي؟

• مديرو الموجودات الأجنبية في البنوك المركزية: من غير المرجح أن تقوم هذه الفئة من المستثمرين بالمشاركة نظرا لتعقيد المنتجات المهيكلة التي سيتم تسويقها للمستثمرين. علاوة على ذلك فإنهم مقيدون بالاستثمار في الأوراق المالية ذات الطابع المبسط (Plain Vanilla) والسيولة العالية.

• صناديق التقاعد وشركات التأمين:‬ بما أن السندات التي سيتم تسويقها على المستثمرين لمدة استحقاق في حدود 5 سنوات، فإن هذه الفئة من المستثمرين ربما تفضل استثمار جزء من أصولها في هذه السندات وإن كانت تفضل أن تكون استثماراتها على مدى زمني أطول. إذا أخذنا على سبيل المثال صناديق التقاعد الإيطالية، فإن استثماراتها في السندات الحكومية وصلت إلى ما يقارب 60 في المائة، لذا من المحتمل أن لا تساهم بزيادة نصيب السندات الحكومية في محفظتها الاستثمارية.

• البنوك: بسبب عدم الوضوح الكامل بشأن الإصلاحات التنظيمية وبالخصوص لبازل 3، فإنه ليس من المؤكد ما إذا كانت البنوك لديها الرغبة لشراء هذه الأوراق المالية والاحتفاظ بها حتى الاستحقاق.

• صناديق التحوط: من المرجح أن تكون هذه الفئة من المستثمرين لديها الرغبة في الاستثمار لأن لديها الخبرة الكافية للتعامل مع مثل هذه الأوراق المالية المهيكلة. ومع ذلك، فإن حجم صناديق التحوط صغير نسبيا ويقدر في حدود 1.5 تريليون دولار.

• المؤسسات الرسمية الأخرى مثل البنوك وصناديق التنمية والمؤسسات المملوكة للدولة: إن مساهمة هذه الشريحة من المستثمرين ضئيلة لأنها معنية ومكلفة أساسا بالاستثمار محليا قبل التوجه خارجيا.

في الخلاصة، سوف تكون هناك حاجة ماسة إلى مساهمة مجموعة واسعة من المستثمرين لتحقيق أهداف صندوق الإنقاذ الأوروبي، وليس بمقدور أي فئة من المستثمرين بمفردها من توفير التمويل اللازم لتغطية احتياجات التمويل لبعض الدول الأوروبية في الفترة القادمة. الخيار الآخر المطروح من أغلب الدول الصاعدة اقتصاديا (مثل الصين وروسيا والبرازيل) وكذلك الدول الأوروبية هو تقديم الدعم غير المباشر من خلال إقراض صندوق النقد الدولي ومن ثم يقوم الصندوق بمساعدة الدول الأوروبية. ولكن في أكثر من مناسبة، أكدت الصين أن رغبتها في الاستثمار في سندات الدول الأوروبية سيكون مشروطا بزيادة حصتها في صندوق النقد الدولي ومنحها صفة الاقتصاد الحر في منظمة التجارة الدولية . فهل بإمكان الدول الصاعدة اقتصاديا أن تكون بديلاً لمؤسسات القطاع الخاص والأسواق المالية؟ لنتابع مجريات الأمور في الفترة القادمة.

باحث ومحلل اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي