8 سنوات ضائعة من عمر المرأة السعودية
أما وقد دخل قرار تأنيث محال بيع الملابس النسائية حيز التنفيذ فعليا، وبدأ المنطق والقانون يفرض نفسه، بدلا من الاعتماد على الأعراف والتقاليد والخصوصية، كعادتنا في حسم قراراتنا المصيرية، ناهيك عن تلبيس الدين ما ليس فيه، فلا أقل من سؤال واحد: كم حجم خسائر المجتمع والاقتصاد السعودي قبل أن يطبق القرار؟
من يصدق أننا احتجنا ثماني سنوات كاملة، منذ أقرّ مجلس الوزراء القرار، حتى بدأ تطبيقه الفعلي. كم خسرنا خلال هذه السنوات ماديا واجتماعيا، من أموال حوّلت للخارج بدلا من أن تذهب لمكانها الصحيح؟ كم من فتاة في حاجة إلى هذه الوظائف، لكننا آثرنا أن نفضل العامل الأجنبي عليها، فبقيت في منزلها كل هذه السنين؟ كم أسرة ترقبت دخلا شهريا، لكننا اخترنا أن نقول لها: لا وألف لا، فهناك مَن اختار وأصرّ بمعارضته ووقوفه ضد القرار، أن يعطي الفرصة لمئات الألوف من العمالة الأجنبية كي تستفيد هي من هذا الدخل، على حساب فتاة عاطلة، أو سيدة محتاجة، أو أسرة معوزة. فمَن يعوّض هؤلاء عن الظلم الذي وقع عليهن طوال السنوات الماضية؟!
قرار تأنيث محال بيع الملابس النسائية، ليس الأول الذي يقر من أعلى جهة حكومية، ثم تأتي العراقيل لتمنع تنفيذه لسبب أو آخر، فهناك أطراف وقوى في المجتمع السعودي جُبلت على عدم تقبل أي تنظيم لا يراعي مصالحها ورؤاها، حتى لو كان في الأساس أُقرَّ لمصلحة عامة، وها هو المجتمع يراوح مكانه ثماني سنوات كاملة قبل أن يعود إلى نقطة الصفر، والتي كان بالإمكان تجاوزها منذ البداية بفكر الدولة التي ترعى مواطنيها، لا بفكر وضع العصي في الدولاب، الذي اعتادته بعض فئات المجتمع.
خذ عندك، ها هو نظام ساهر المروري يعاني الأمرّين منذ البدء بتطبيقه، صحيح لم يتم إيقافه حتى الآن على الرغم من المحاولات الحثيثة، لكن كم من الدعوات التي تنادي بذلك، وكم من الفتاوى التي صدرت ضده، كلها تعمل من أجل إيقاف تطبيق نظام، هدفه الوحيد إيقاف نزيف الأرواح، بل الأدهى والأمر أن المعارضة للنظام أضحت تحريضية، نتج عنها قتل وطعن وحرق بسبب حملات صحافية وفتاوى دينية، وفي نهاية الأمر يسجلون إعجابهم بالأنظمة إذا طُبقت في دول الجوار، لكن الويل والثبور لمَن يطبق الأنظمة هنا.
كم يقتل الجدل العقيم فرصا ثمينة للمجتمع المتحضر تختصر عليه الزمن. كم كُسرت قلوب بسبب ألوف من الريالات ذهبت للخارج، بينما هناك مَن هو في أمسّ الحاجة إليها. كم اعتاد المجتمع أقلية تقود الأغلبية، فلا يفيق من سباته إلا بعد ضياع الفرصة تلو الفرصة.
يقول رئيس طائفة الخياطين في جدة، في تصريحات نقلتها أمس وكالة الأنباء السعودية، إن قرار تأنيث محال الملابس النسائية "سيتيح فرصا وظيفية للنساء السعوديات قد تستوعب أكثر من 90 في المائة من المتقدمات".
تخيلوا أننا كان من الممكن أن ننتظر سنوات أخرى على هذا الحال، لو استمر القرار معلقا. تخيلوا أن نصف مليون شابة سعودية كانت ستبقى في منزلها دون وظيفة، والعذر: حماية المجتمع السعودي.
كم من الكوارث تُرتكب باسمك أيها المجتمع السعودي!