Author

العربيزي والتعريب

|
سألت مؤخرا صديقا عربيا متخصصا في اللغة العربية حول أزمة اللغة كما يسميها هو وبعض زملائه وحول ما إذا كان يعتقد أن لغتنا العربية الفصحى المكتوبة والمقروءة كما نعرفها اليوم تتجه نحو الاضمحلال في المجتمعات العربية من المحيط إلى الخليج، خصوصا مع تنامي وانتشار الظواهر الثقافية الجديدة والعابرة للحدود والتي يستشرف بعض المتابعين من أن هذه الملامح الاجتماعية والتي منها على سبيل المثال استخدام اللغة الشبابية المعروفة بـ (العربيزي) ستعمل على زوال اللغة الفصحى كوسيلة تواصل بين الشعوب، والعربيزي كما هو معروف هي اللغة التي تكتب كلماتها باستخدام الحروف والأرقام الإنجليزية، حيث يمكن طباعتها من خلال أي جهاز حاسب وذلك للتعبير وبلهجة عربية محكية محلية بعيدة عن التعبيرات الفصحى والجميلة الموزونة والعبارات الصحيحة لغويا، وهي لغة إلكترونية انتشرت بشكل كبير خلال العقد الأخير وذلك مع تنامي الاعتماد على الإنترنت بين أوساط الشباب من خلال الشبكات الاجتماعية من جهة وخلال وسائل التواصل الفورية من جهة أخرى وتحول التواصل عبر التقنية إلى ركيزة أساسية من معطيات المجتمعات المعاصرة، وهو ما حتم على أن تصاغ لهذه اللغة الجديدة قواعدها وتكنيكاتها المتعارف عليها والتي تحولت بفعل الممارسة إلى لغة بديلة لدى شريحة كبيرة من مستخدمي الإنترنت من جيل الشباب. وكان جواب صديقنا كما توقعته تماما حيث أكد دون تردد أنه لا يرى في تلك الممارسة الشبابية على الرغم انتشارها خطرا حقيقيا على مستقبل اللغة، فقد أسند رأيه لكون الله ــ عز وجل ـــ قد حمى القرآن الكريم ولغته من التحريف أو الزوال وهو تبرير مبني على حقيقة لا ينكرها إلا جاهل ومكابر وكافر بكلمات الله العزيز الجبار، إلا أن سؤالي لم يكن حول ما إذا كانت ستزول اللغة العربية بحد ذاتها بقدر ما كان حول ما إذا كانت ستزول اللغة الفصحى كوسيلة تخاطب شعبية، حيث نبدأ في التعاطي مثلا مع صحف أو كتب أو وسائل إعلام جماهيري مختلفة تستخدم اللغات المحلية العامية في التخاطب واللغة العربيزية في التعبيرات والكتابة. لقد ظهر في الآونة الأخيرة عدد من الحملات الإلكترونية التي تدعو لزيادة محتوى الإنترنت العربي الفصيح وأخرى متخصصة لتعريب شبكات اجتماعية عالمية وذلك كما هو حاصل مع مشروع ''تعريب تويتر'' والذي يدار من مجموعة من الشباب العربي من الجنسين الذين يسعون بدورهم على نقيض زملائهم من متحمسي العربيزي إلى تأكيد وإنعاش اللغة العربية ذات القواعد الصحيحة كوسيلة تواصل وتخاطب بين الشعوب خصوصا في شبكة المدونات القصيرة ''تويتر'' والتي أصبحت كما هو واضح المنصة الديمقراطية الأولى في العالم العربي وربما في العالم، حيث تطرح الأفكار ويراقب المسؤول وتقاس الانطباعات وتتكون الآراء وتبنى الصداقات. لقد ثبت التأكيد الإلهي بعدم زوال لغة الضاد كونها لغة القرآن الكريم وهي اللغة التي بها يتعبد أكثر من مليار مسلم حول العالم بإقامة الصلاة والدعاء والابتهال والتفقه في الدين والسنة النبوية الشريفة، ولكن هل ستضمحل اللغة الفصحى تدريجيا كوسيلة معتمدة لكتابة تاريخ المجتمعات والشعوب؟ وهل ستضمحل هذه الفصحى الجميلة بتراكيبها وموسيقاها الداخلية كوسيلة شعبية للتواصل بين أفراد المجتمع وبعضهم؟ وهل ستحل لغة تتماشى كما يقول البعض مع متطلبات مجتمع مستقبلي لا نعي حتي الآن ملامحه ولكننا نستقرئ حاله المتجه نحو توحيد الفكر وتوحيد اللغة وتوحيد ثقافة نظام عالمي جديد تتشابه فيه الأوجه رغم اختلافها، حيث لا تختلف الملامح فيها إلا بقدر الحد الأدنى مما هو مطلوب اجتماعيا؟
إنشرها