Author

تساؤلات حول التقادم (1)

|
بعد مقالتي السابقة عن ضياع الحقوق بسبب التقادم وردتني تساؤلات عديدة رأيت أنه من المهم الإجابة عنها في هذا المقال منها: هل التقادم يسقط الحق أم يمنع من سماع الدعوى؟ والواقع أن عامة النصوص النظامية المتعلقة بالتقادم صريحة في أن التقادم يتعلق فقط بسماع الدعوى ولا أثر له في ثبوت الحقوق أو إسقاطها، ومن الأمثلة على ذلك ما نصت عليه قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم من أنه: "لا تسمع الدعاوى المنصوص عليها..." فكون النص أتى بعبارة "لا تسمع الدعاوى..." فذلك يعني أن المقصود هو عدم جواز قبول الدعوى فقط، ولا يمتد أثر النص إلى غير ذلك. وكذلك نجد المادة (116) من نظام الأوراق التجارية تنص على أنه: "لا تسمع دعاوى رجوع الحامل على المسحوب عليه والساحب والمظهر وغيرهم من الملتزمين بعد مضي ستة شهور من تاريخ انقضاء ميعاد تقديم الشيك"، فنجد أن المنظم السعودي دائماً يستخدم عبارة "لا تسمع..." عند تحديد المدد المتعلقة بنظر الدعاوى القضائية، والأمثلة على ذلك كثيرة، وقد أكدنا في المقال السابق عدم سقوط الحق في رفع الدعوى المدنية أو التجارية عند فقد الشيك، أو السند لأمر، أو الكمبيالة لقوتها كورقة تجارية بسبب فوات المدة المحددة لرفع الدعوى أمام مكتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية، وهو ما استقر عليه القضاء التجاري والقضاء العام في المملكة العربية السعودية. تبقى مسألة أخرى من الأهمية بمكان، وهي هل يمكن قبول سماع الدعوى بعد فوات المدة المحددة لنظرها إذا كان ذلك بسبب عذر سائغ؟ في الواقع أغلب النصوص النظامية لم تعالج هذه المسألة، ولكن تميزت قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم بالنص على جواز نظر دعوى التعويض بعد مضي المدة المحددة لرفعها إذا كان ذلك بسبب "...عذر شرعي حال دون رفع الدعوى يثبت لدى الدائرة المختصة بالديوان..."، ولكن يبقى تحديد الأعذار الشرعية المعتبرة هنا سلطة تقديرية للدائرة القضائية ناظرة الدعوى، ومن الأمثلة على هذه الأعذار ما جاء في أحد أحكام ديوان المظالم المؤيد من قبل هيئة التدقيق في إحدى قضايا التعويض التي كان يفترض أن يتقدم فيها المدعي إلى الديوان في عام 1414هـ لكن المدعي لم يتقدم إلى الديوان إلا في عام 1425هـ، وذلك لأن المدعي أجنبي "يقيم خارج المملكة إذ هو من مواطني دولة...." ونظراً لكونه "فقيراً، ولم يتمكن من القدوم للمملكة لعدم تمكنه من الحصول على التأشيرة المطلوبة، وعلاوة على ذلك فإن إقامته لهذه الدعوى استلزم منه عدة إجراءات تمثلت في استخراج حصر الورثة...، ووكالة عن الورثة..." إلى آخر ما ورد في ذلك الحكم. كما أن من الأمثلة على الأعذار الشرعية التي قبلتها المحكمة الإدارية ما جاء في إحدى قضايا التعويض التي تقدم فيها المدعي بعد المدة المحددة لرفع الدعوى ولكن الدائرة قبلت تأخره عن التقديم حتى مضت: "أكثر من عشر سنوات على نشوء الحق المطالب فيه بالتعويض،... إلا أن الدائرة تجد له العذر في تأخره عن المطالبة لما ثبت لديها حسب التقارير الطبية المرفقة بإصابة والده بجلطة دماغية...وازداد معه تدهور حالة والده الصحية؛ مما استدعى معه مرافقته لوالده بشكل مستمر حتى وفاته...". ولكن تبقى مسألة جديرة بالبحث، وهي مدى إمكانية تطبيق هذا المبدأ على النصوص النظامية الأخرى التي لم تشر إلى جواز قبول الدعوى ونظرها بعد المدة المحددة لها إذا كان تأخر المدعي بسبب عذر شرعي سائغ مماثل لما اعتبره ديوان المظالم في أحكامه ومبادئه القضائية، وأعتقد أنه يجب أن يكون لمجلس الشورى وهيئة الخبراء زمام المبادرة في بحث هذه المسألة، ودراسة مدى إمكانية إيجاد معالجة قانونية لها تحل من هذه المشكلة التي عانى وما زال يعانيها الكثيرون خاصة من كانت لهم أعذار سائغة منعت من رفع الدعاوى في أوقاتها المحددة لها، وللحديث بقية - بإذن الله.
إنشرها