ثروة الأمم والمشاركة فيها
أصدر بنك كريديت سويس تقريراً عن الثروة الكونية لسنة 2011، يقدم مسحاً شاملا لثروات عدد كبير من الدول، فعلى الرغم من مرور عقد من الزمن شهد عائدا صفريا تقريبا على الأسهم، وانهيار قطاع المنازل، فإن ثروة الأمم تضاعفت منذ سنة 2000 حتى تاريخ التقرير بسبب قوة النمو الاقتصادي وارتفاع عدد السكان في الدول الناشئة. ويقدر التقرير ثروة الأمم قاطبة بمبلغ 231 تريليون دولار ومعظم نمو الثروة جاءت من دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا مع تراجع في أوروبا. ويتوقع التقرير أن ترتفع الثروة بنسبة 50 في المائة في السنوات الخمس المقبلة إلى 345 تريليون دولار، ليصل متوسط ثروة الفرد البالغ نحو 70700 دولار. وتقاس هذه الثروة بحجم ثروة أصول الشخص بما فيها المنازل مطروحاً منها الديون.
وفي الوقت الحالي، هناك نحو 29 ألف شخص فقط يمتلكون أكثر من 100 مليون دولار، ونحو 987300 شخص يمتلكون بين 10 و100 مليون دولار، وأن نحو 1959600 شخص يمتلكون بين 5 و10 ملايين دولار، بينما نحو 26724200 شخص يمتلكون بين مليون إلى خمسة ملايين دولار. بمعنى أن 29700100 شخص (نحو 30 مليون شخص) دخولهم أعلى من مليون دولار، بينما البقية الباقية من البشر على الكون، الذين يصل عددهم إلى نحو سبعة مليارات نسمة أقل من مليون دولار. ومن الواضح أننا أمام فجوة هائلة في الثروات بين أفراد العالم أجمع.
ويرى التقرير أن عدد المليونيرات سيرتفع بنسبة 134 في المائة في الصين ليصل إلى 2381 ألف مليونير في 2016، وفي البرازيل بنسبة 155 في المائة ليصل إلى 815 ألف مليونير، وفي الهند بنسبة 150 في المائة ليصل عددهم إلى 510 مليونيرات، وفي إندونيسيا بنسبة 116 في المائة ليصل إلى 242 ألف مليونير، وفي جنوب إفريقيا بنسبة 242 في المائة ليصل إلى 243 ألف مليونير. وفي دول الخليج، سيرتفع عدد المليونيرات في السعودية إلى 64 ألف مليونير في 2016 من مستواهم الحالي البالغ 44 ألف مليونير (وتذكر أن تعريف المليونير هو من يمتلك واحد مليون دولار فأكثر، وتذكروا أن الثروة تقاس بحجم الأصول بما فيها المنازل مطروحاً منها الديون)، وفي الإمارات سيرتفع العدد من 40 ألفا حاليا إلى 54 ألف مليونير في 2016، والكويت من 31 ألفا إلى 45 ألف مليونير، بينما سيرتفع العدد في مصر من 31 ألف مليونير إلى 92 ألف مليونير في سنة 2016، لكن التقرير لم يأخذ في الحسبان تبعات الثورة التي حدثت في مصر وقدرتها على إعادة توزيع الدخل.
إن الواضح أن تركيز الثروة في فئة ضئيلة من سكان الشعوب هو صفة عامة لكل دول العالم، وهو ما يثير احتقان المعارضة الشعبية كما هو الآن في أمريكا فيما يسمى ''احتلوا وول ستريت''، واندلاع الشغب في بريطانيا قبيل شهر أو نيف، وانطلاق شرارة الثورة التونسية، وانتصار الثورة المصرية وبدئها بسحب تراخيص المستثمرين في عهد الحكم السابق، ومحاكمة رموز النظام السابق وتتبع ثرواتهم.
وإذا كانت ثروات الشعوب تشهد هذا التباين في توزيع الثروة، فإن خلل هذا التباين يوجد في كل دول العالم تقريبا، ومعالجته تتطلب جهوداً جبارة قد لا تتحقق على الإطلاق، إلا أنها قد تكون أكثر عدالة. فقد يكون من المناسب أن نبتعد عن مصطلح توزيع الدخل إلى مصطلح المشاركة في كعكة ثروات الوطن. وهذه المشاركة تحتاج إلى برامج عدة بدءا من تشجيع المساعدات للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومعالجة مشكلة الإسكان، والأجور، ومشاركة الأغنياء في المسؤولية الاجتماعية من ناحية توفير الحياة الكريمة للعاملين لديهم، وتبني برامج تزيد من دخول الأقل أجراً. إننا ندرك أن كثيراً من الذين حققوا دخلاً أكثر من مليون دولار قد بذلوا جهوداً كبيرة للوصول إلى هذه الثروة، إلا أن الوصول إليها قد يكون بطريقة أكثر شفافية وعدالة لنساعد أعدادا أكبر على زيادة ثرواتهم.