الأمير سلطان كما عرفته

كان أول لقاء لي مع المغفور له - بإذن الله - الأمير سلطان بن عبد العزيز في سنة 1975م ضمن وفد رياضي من طلاب جامعة الرياض (الملك سعود حالياً)، وكان رئيس الوفد آنذاك الدكتور عبد الفتاح ناظر- رحمه الله- حيث كان اللقاء ممتعا وشيقا جداً وفيه رفع للهمم.
بعد الابتعاث للدكتوراه، وجدت في الأمير سلطان، سندي في مشاركته وحبه للبيئة والمحافظة عليها، فقد شجعني على الكتابة له مباشرة حيال قضايا البيئة، ولا يكاد يمر أسبوع على إرسال خطابي إليه إلا ويكون هنالك توجيه بتنفيذ بعض التوصيات الخاصة بالحماية، فهو - رحمه الله - يمثل الحالة الإيجابية بكل معانيها.
وكان- رحمه الله- من أشد المطالبين بدعم الأعلاف، ففي عام 2004م عندما جدبت الأرض كتبت خطاباً خاصاً لسموه حول أوضاع البادية من واقع معايشتي لهم وأوصيت بضرورة دعمهم، وقد سُر جداً بذلك الخطاب، ولم يكتف- رحمه الله- بإرسال خطاب شكر، بل طلب مقابلتي له في جدة، وكان المفروض أن تكون مدة اللقاء عشر دقائق، ولكن كان الحديث معه ممتعاً، فاستمر اللقاء لأكثر من نصف ساعة.
ومما عرفته عن الأمير سلطان أنه شخص منظم جداً منضبط في المواعيد، حيث تجد له في اليوم الواحد مواعيد متنوعة وكثيرة، قلما يحصل تأجيل أو حتى تأخير لأي منها، بل إنه جعل للمواطنين الأولوية في برنامجه اليومي، فقد كان - رحمه الله - يستقبل المواطنين ويستمع لقضاياهم قبل الدخول في جدوله الرسمي. وإذا لم يتسن لأحد مقابلته فيمكن الكتابة له والتعرف تماماً على سير الخطاب.
نقطة أخرى سبرتها في شخصية الأمير سلطان - رحمه الله تعالى - وهي "الحلم والأناة"، فلم أجده يوماً قد رفع صوته على أحد المراجعين، بل كان يحب الاستماع ويحاول أن يرد بأرق العبارات، فقد كان مدرسةً في أسلوب التعامل، فعلى الرغم من انشغالاته الكثيرة وضغوط العمل المتواصلة، فإنه دائماً ما يكون مبتسماً، كما أنه يحاول أن يبين لجميع الحضور تقديره الشخصي لزيارتهم.
ومما عرفته عن سموه- رحمه الله تعالى- سعة الأفق واحترام الآخر، فكانت له اتصالات عديدة وقبول كبير في الأوساط الثقافية المختلفة داخل المملكة وخارجها، فهو ولأكثر من 30 عاماً يعد المسؤول الأول عن الدعوة في هذا البلد، فقد كان- رحمه الله- من المحافظين على نهج السياسة السعودية المحافظة، ولكنه في نفس الوقت لديه سعة أفق وقبول الرأي الأصوب بدون تأجيج للمشاعر، لذا فقد كانت جهوده كبيرة في وحدة الصف العربي والإسلامي، ولم أنس تصريحه التاريخي خلال احتلال الكويت، حيث لم يكن- رحمه الله- يؤيد الاقتتال، بل قال بصريح العبارة وقد وضعت الحرب أوزارها: إنه يجب أن تبقى الحلول السياسية في المقدمة لخلاف الأشقاء.
ومما عرفته ويعرفه الداني والقاصي عن سموه حب الخير والصدقات، فقد كتبت مقالاً حول بعض تلك السجايا في تلك الجريدة منذ شهرين بعنوان "أحب اللي يدلني على الخير"، فكان - رحمه الله - ملجأ بعد الله لمساعدة الضعفاء والأيتام والمعوزين، فهو يعد من المحسنين الذين قال الله عنهم (إن الله يحب المحسنين)، وهذا الجانب في حياته- رحمه الله- يصعب حصره، ولكن نسأل الله أن يجعل من سعى في تلك المشاريع الخيرية أو استفاد منها شاهداً لسموه يوم الأشهاد، وأن يرفع بها درجته ويجعله من المقربين من نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- الذي قال: ("أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين"، وأشار إلى السبابة والوسطى) فما بالكم ومن كفل مئات بل ألوف منهم؟!.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي