المواطن عند شركة المراعي و«الخطوط السعودية»

في مقابلة تلفزيونية مع الرئيس التنفيذي لشركة المراعي، أكد أن أرباح شركته في الربع الثالث لم تتأثر بحملات المقاطعة، وهذا خبر جيد للمستثمرين في شركة المراعي أو الذين يرغبون في ذلك، لكنه عاد وأكد أن تلك الأرباح تأثرت بارتفاع تكلفة المواد الخام. من وجهة نظر المستثمرين فليس المهم أن نثبت قوة تأثير المقاطعة أو عدمها بقدر ما يهمهم قدرة الشركة على الربح والنمو، وعلى هذا الأساس - فيما أعلم - سيتم تقييم أداء الشركة ككل وليس على أساس صمودها في وجه المقاطعة، إن وجدت فعلا.
بنهاية الأشهر التسعة الأولى من عام 2011 سجلت شركة المراعي أرباحا قدرها 1014 مليون ريال (4.41 ريال للسهم) بنسبة نمو 1 في المائة عن الأرباح التي حققتها العام الماضي عن الفترة نفسها. الرئيس التنفيذي علل ذلك بارتفاع تكلفة المواد الخام، لكن رغم ارتفاع تكلفة المواد الخام التي يقول عنها الرئيس فإن أرباح ''المراعي'' للربع الثالث زادت بـ23 في المائة مقارنة بالربع الثاني من هذا العام. ومجمل الكلام أن الشركة تحقق أرباحا وتنمو من ربع إلى ربع وإن لم تحقق نموا كبيرا خلال العام مقارنة بما سبقه، لكنها لم تزل تحت مظله الأرباح وتنعم بوسادتها. هذه النتيجة الحقيقية مرضية جدا بالنسبة للمجتمع والمواطن العادي، ومن وجهة نظرهم فلا داعي إذًا لرفع الأسعار طالما أنك تحقق أرباحا. قد تكون مشكلة النمو في الأرباح تهم المستثمرين، لكنها ليست مشكلة المجتمع، ولا تعني المواطن البسيط الذي بالكاد يصل إلى نهاية الشهر ولم يبدأ بالاستدانة.
نعم مشكلة النمو في الأرباح تهم المستثمرين والسوق المالية، كما تهم الرئيس التنفيذي ومجلس إدارة الشركة، فعلى أساس هذا النمو سيتم التقييم والمكافآت وسعر السهم، لكن ليس بالضرورة أن تحل هذه المشكلة بالقفز من فوق الحائط القصير، وهو المواطن البسيط، بل بالاتكاء على قدرة الشركة التنافسية على كسب حصص أكبر من السوق، وهذا يتم بإغراء المواطن أكثر وأكثر بشراء منتجات ''المراعي'' وتقديم عروض ترويجية أو خصومات سنوية مع تحسين مستمر في جودة المنتج، ليس المدخل الوحيد لتحسين النمو في الأرباح، بل بالعودة للخلف والضغط بشكل أكبر على الموردين للحصول على أسعار أفضل للمدخلات، إضافة إلى السيطرة على التكاليف وخفض الهدر والفاقد وتكلفة المخزون. كما يمكن تحسين النمو في الأرباح من خلال إعادة النظر في سياسات الإهلاك وتحصيل الديون والائتمان، كل هذه الوسائل يمكن اتباعها، وإنني متأكد من أن الرئيس التنفيذي لشركة المراعي يعرف كل ذلك وأكثر، بل أفضل منه.
ومع ذلك وللحقيقة فإنني لم أفهم حجة الرئيس التنفيذي - ولعله يعذرني في ذلك - عندما أشار إلى أن النمو الذي حققته الشركة في مبيعات الألبان يعود إلى أسواق الخليج كلها وليس السوق السعودية وحدها، لم أفهم هل هذا سبب كاف ليعاقب السوق السعودية؟ ثم أشار - بحسب موقع العربية نت - إلى أن أسعار بيع عبوة الألبان سعة لترين تباع في السعودية بأقل من مثيلاتها في أسواق الخليج، حيث تباع بـ11 ريالًا في أسواق الخليج، فيما تباع في السعودية بسبعة ريالات، وفي البحرين بتسعة ريالات. والسبب في سوء فهمي هو: هل مجرد اختلاف السعر في الخليج سبب كاف لرفع سعر الألبان في الداخل؟ ألم تدخل ''سابك'' في مشكلة قضايا الإغراق بسبب أن منتجاتها في الداخل أعلى سعرا من منتجاتها في الخارج. من المعروف أنه يجب أن يكون السعر في الدخل أقل بشكل واضح عن السعر في الخارج، وإذا حدث العكس فإن الشركة تمارس إغراقا للأسواق الخارجية لكسب حصص هناك وإلا فلن يصبح ما تقوم به منطقيا أبدا. وإذا كان المقصود - وهو الغالب- أن أسعار منتجات الشركات الأخرى أغلى، فهل هذه مشكلة تبرر لـ ''المراعي'' رفع الأسعار في الداخل أم فرصة للمنافسة على حصة أفضل في هذه الأسواق والسوق الداخلية، خاصة أن الشركة تحت مظلة الأرباح عند هذه الأسعار المنافسة، بل تنمو. وإذا كانت هذه هي الأسباب التي تدعو ''المراعي'' لرفع الأسعار فماذا علينا أن نظن بها وهي تعلن - في قوائمها المالية للربع الثالث من عام 2011 - أنها تنوي الاعتراف بالخسائر غير المحققة من انخفاض قيمة الاستثمار في شركة ''زين السعودية'' وبالغة 113 مليون ريال خلال الربع الأخير من هذا العام.
ثم لم تمض أيام معدودة على لقاء الرئيس التنفيذي حتى كشفت مداولات في مجلس الشورى - التي نشرتها الصحف اليومية - أن معاناة الناس مع المؤسسة العامة للخطوط السعودية لم تتجاوز عند أعضاء المجلس قراءة التقريرين السنويين للمؤسسة، أو إفادة ''السعودية'' على تساؤلات بعض الأعضاء ''وبعض هذه تدل على أن التساؤل كان اهتماما من عدد من الأعضاء وليس المجلس كمؤسسة''. ورغم أن ذلك محزن في حد ذاته، لكن ما لفت نظري بشكل أكثر - وبحسب ما أوردته ''الاقتصادية'' – هو ''إفادة السعودية'' في إجابتها حول مبلغ 5.338 مليار ريال الذي تضمنه تقريرها تحت بند مصروفات أخرى، حيث جاءت أن هذا المبلغ يمثل مصرفات تشغيلية متكررة، وضربت لنا الأمثال على ذلك باستئجار الطائرات للتشغيل في المواسم، ودفع مصروفات للدول مقابل عبور الأجواء، وغيرها. وللأمانة فأنا لم أطلع على تقرير المؤسسة – ولا أعرف أين هو حتى أطلع عليه - لكن مبلغا بأكثر من خمسة مليارات ريال لا يمكن القول إنه غير مهم لدرجة دمج تفاصيله بعضها في بعض، إلا إذا كانت لا تريد لفت الانتباه عن حجم الإنفاق الفعلي على الطائرات المستأجرة وصيانة طائرات ذات أعطال كثيرة ومقارنته بقيمة شراء طائرات جديدة.
كنت أتمنى وقد تعرضت ''الخطوط السعودية'' لنقد كبير خلال السنوات الماضية أن يحضر المدير العام بدلا من إفادته - ولو كان ذلك للمرة الثانية - ويوضح للمجلس كل ذلك وعن تغيير الأسعار في التذاكر والشحن وعن الفئات في السعر على الدرجة الواحدة والتبريرات معدومة، أن نسمع مباشرة من المؤسسة لماذا ندفع قريبا من أسعار أفضل الخطوط العالمية على متن أفضل الطائرات، بينما نحصل من ''السعودية'' في مقابل ذلك المبلغ على مقاعد تقل جودة ومساحة في طائرات تصنفها المؤسسة بكثيرة الأعطال، بل خارج الخدمة. كنت أتمنى من المجلس أن يدع للمؤسسة الدفاع عن حقوقها التي تدعيها بدلا من إسقاط التوصية بإلغاء الرسوم المالية على تغيير موعد الرحلة وخط السير واستعادة التذكرة وهي تحتكر السوق الداخلية وجميع الرحلات مغلقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي