Author

الغموض في النصوص الشرعية والقانونية (2 من 2)

|
تطرقنا في المقال السابق إلى الغموض في النصوص الشرعية والقانونية ونستكمل ذلك في تقرير بأنه يمكن تقسيم النص من حيث الوضوح والغموض كما قرره الفقهاء إلى الآتي: أولا: النص الخفي وهو ما اشتبه معناه وخفي مراده بعارض غير الصيغة الأساسية، ويعتبر سبب منشأ الغموض في النص الخفي هو تخصيص بعض الأفراد باسم خاص به أو زيادة في بعض الأفراد أو نقصان. إن هذه التسمية الخاصة أو الزيادة أو النقص تحيط اللفظ بالاشتباه، فيصبح اللفظ الظاهر في الدلالة على معناه خفياً بالنسبة إلى هذا الفرد المطلوب معرفة حكمه، ولهذا يتطلب حكم الخفي النظر والبحث والتأمل ليعلم المجتهد في النص مكمن الخفاء ويعمل على إزالته عن طريق الرجوع إلى النصوص المتعلقة بالمسألة المقصودة ومراعاة التعليل ومقاصد الشريعة. ومن أمثلة الخفي في كتاب الله تعالى قوله سبحانه ''والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما''. إن لفظ السارق ظاهر في الدلالة على معناه وهو أخذ المال المتقوم المملوك للغير خفية من حرز مثله . فكل من انطبق عليه هذا المعنى عد سارقاً وطبق عليه الحكم، فلفظ السارق ظاهر فيه غير خفي، ولكنه خفي في المتسول وهو الذي يأخذ المال من الناس بمهارة وخفة في يقظتهم. ثانياً: النص المشكل المشكل هو الذي أشكل على السامع طريق الوصول إلى المعاني لدقة المعنى في نفسه لا بعارض. والفرق بين المشكل والخفي هو أن الخفاء في المشكل يأتي من ذات اللفظ ولا يفهم المراد منه ابتداءً إلا بدليل من الخارج. أما الخفي فمنشأ خفائه من التطبيق. وينقسم المشكل باعتبار منشأ إشكاله إلى ثلاثة أقسام: 1 ـ الإشكال الناشئ عن غموض في المعنى المحتمل عندما يحتمل اللفظ عدة معان، أو عندما يستعمل المعنى المجازي للفظ من الألفاظ بين هذا المعنى المجازي وبين معناه الحقيقي. 2 ـ الإشكال الناشئ عن تعارض ظواهر النصوص على معنى، أي أن كل نص يكون واضح الدلالة على المراد منه، لكن المعنى الذي يدل عليه أحد النصين يصطدم وما يدل عليه نص آخر. 3 ـ الإشكال الناشئ عن غموض المعنى المراد من اللفظ. ومن الأمثلة الكثيرة على النص المشكل الآية الكريمة ''وإن طلقتموهن من قبل أن تمسونهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح''. إن المراد من ''الذي بيده عقدة النكاح'' يحتمل أن يكون الزوج ويحتمل أن يكون الولي فلا بد من التأمل والاجتهاد للخروج من الإشكال. ثالثاً: النص المجمل المجمل وهو اللفظ لا يفهم المراد منه إلا ببيان المجمل سواء كان ذلك لتزاحم المعاني المتساوية وهو شامل في بعض أحواله للمشكل والخفي. ولكل ما تقدم فإنه يمكن إعطاء نتائج تجمع شتات الموضوع وهي: 1 ـ إن غموض النص يكون في حالة تكون عليها عبارة النص غير واضحة كل الوضوح بحيث تحتمل التفسير والتأويل إلى أكثر من معنى، يكون النص في هذه الحالة مشوبا بالغموض والإبهام، ومهمة المفسر في هذه الحالة هي أن يختار بين المعاني المختلفة التي يحتملها النص المعنى الأكثر صحة والأقرب إلى الحق والصواب. 2 ـ إن الغموض كغيره من أسباب التفسير يتبين لنا من خلال التفسير اللفظي كمرحلة أولى من مراحل التفسير وإذا لم يجد ذلك لاستنباط القصد من التشريع نلجأ إلى التفسير المنطقي للتوصل إلى روح النص والمراد منه بما يتوافق مع غالب الأدلة سواء كانت شرعية أو قانونية، فمثلا عند وجود إشكال في لائحة تنفيذية تتعارض مع مفاهيم العدالة والمساواة المقررة في النظام الأساسي للحكم يجب ضبط المعنى بما يتوافق مع ظاهر الأنظمة الشمولية. 3 - قد لا يظهر الغموض لدى المفسر السطحي بينما احتمال ظهوره لدى المفسر المتعمق أكبر، ويلمس هذا عند خبراء الأنظمة أو قضاة القضاء العام أو القضاء الإداري، مثل الإشكال عند طلب المحامي دفع مصروفات المحاماة هل تقوم الدعوى عند ناظر القضية ذاتها كما هو نص النظام؟ أم تقام أمام القضاء العام كما هو مفهوم النظام؟ وتبقى المسألة قائمة الإشكال. 4 - إن الغموض يكون مقصوداً من قبل الشارع في النص التشريعي في بعض الأحيان لاعتبارات سياسية أو اجتماعية. إن الغموض في النصوص النظامية يتطلب من الجهات التنظيمية إنشاء جهة تختص بالفتوى النظامية (الفتوى والتشريع) كما هو موجود في أغلبية الدول تعنى بتفسير الأنظمة والإجابة عن كل الإشكالات حول مفاهيم النصوص النظامية بما يضمن عدم الازدواجية في تطبيقات الأنظمة واختلاف القضائي. نسأل الله للجميع أوقاتاً سعيدة وحياةً مملوءة بالمسرات والعافية.
إنشرها