النفايات البيئية بين المخاطر الصحية وإعادة التدوير (2)
يفسر البعض وعن طريق الخطأ مصطلح ''النفايات'' على اعتبار أنه مصطلح ''سلبي''، بينما يشهد الواقع عكس ذلك، حيث تعتبر النفايات ذات أهمية تجارية وصناعية كبيرة بالتزامن مع نقص ونضوب الموارد الطبيعية وارتفاع أسعارها، ويتطلب الاستثمار في تدوير النفايات استراتيجية شاملة تشترك فيها مؤسسات القطاعين العام والخاص ذات العلاقة بالصحة العامة وحماية البيئة والمنظومات الاقتصادية المختصة، ويعتبر القطاع الخاص الأكثر مقدرة وتأهيلاً للاستثمار في مجال تصنيع النفايات عطفا على تنوع وتباين المنتج والتكلفة المالية للمشروع، بينما تسهم الدولة والقطاعات الحكومية المعنية بدعم وتهيئة المعطيات والاحتياجات المطلوبة (القروض المادية، المساعدة الفنية، المساهمة في رأس المال، استئجار المعدات، ... إلخ).
إن توجه الاستثمار في مشاريع وبرامج إعادة تدوير النفايات البيئية بجميع أنواعها الصلبة والسائلة خيار مستقبلي آمن لخلق وتوافر فرص اقتصادية كبيرة في العالم العربي، في الولايات المتحدة مثلا تتوافر من إعادة تدوير النفايات ما قيمته 236 مليار دولار سنوياً، ويحصل ما يزيد على مليون شخص في المرافق العامة والخاصة على فرص وظيفية من جراء هذه الصناعات، كما أن إجمالي ناتج عمليات إعادة التصنيع والتدوير للنفايات في جميع أنحاء العالم يوفر قرابة 10.7 مليون برميل من النفط سنوياً، وكذلك تتولد كمية من طاقه الكهرباء تعادل في نسبتها خمسة أضعاف الكمية التي تولدها محطات توليد الطاقة النووية.
وبحسب إفادة مكتب إعادة التدوير الدولي فإن نهج سوق النفايات المعدنية في الشرق الأوسط يختلف عن بقية الأسواق الدولية، حيث تركز السوق في الشرق الأوسط في الغالب على المتاجرة في النفايات ومعالجتها، وتعتبر منطقة الخليج العربي من المراكز المهمة لصناعة إعادة تدوير النفايات المعدنية، حيث تتصدر فيها السعودية والإمارات القائمة كمراكز رئيسة لنشاط هذه الصناعة، الجدير بالذكر أن إعادة تدوير طن واحد من الحديد يمكن أن تسهم في توفير 113 كيلو جراما من الحديد الخام، 454 كيلو جراما من الفحم، و18 كيلو جراما من الحجر الجيري، بينما ينتج عن إعادة تدوير كيلو جرام واحد من الألمنيوم ما يقارب (ستة كيلو جرامات من مادة البوكسيت التي يتم إنتاج الألمنيوم منها، أربعة كيلو جرامات من المنتجات الكيماوية، و14 كيلو واط من طاقة الكهرباء).
كما يلعب الاهتمام بتدوير مخلفات المحاصيل الزراعية دوراً إيجابيا في التخلص من هذه المخلفات، وبالتالي تقليل نسبة التلوث البيئي، خصوصا في المناطق الزراعية أو بالقرب من مصانع حفظ وتعليب المواد الغذائية، حيث تتبع أساليب غير سليمة للتخلص من هذه المخلفات، وهنا يظهر المفهوم الأساسي لتوجه الزراعة العضوية Organic agriculture، وهو إنتاج الغذاء بطريقة لا تلحق الضرر بالبيئة، وذلك بتجنب الكيماويات الزراعية كالأسمدة والمبيدات والهرمونات والعقاقير البيطرية والمواد الحافظة وغير ذلك من المواد المصنعة، كما تتحاشى الزراعة العضوية بعض التطبيقات الحديثة للهندسة الوراثية مثل المنتجات المعدلة وراثيا.
يربط علماء النفس والاجتماع أهمية توجه تقنيات وصناعة تدوير النفايات البيئية إلى خفض نسبة معدلات الجريمة والبطالة بين شريحة الشباب، حيث إن بيئة سكن ومعيشة الإنسان تلقي بظلالها في الغالب على توافر بعض السلوكيات والمخاطر والأمراض الاجتماعية التي يرجع مصدرها إلى السكن في المناطق العشوائية والمتدنية بيئيا ويكثر فيها النفايات والقمامة، كما أشارت إلى ذلك الأبحاث العلمية في هذا الخصوص، مثل (الاكتئاب، الانتحار، سوء معاملة الأطفال، سوء معاملة المعلمين، انفصال الأزواج والطلاق، سوء معاملة الأزواج، الاغتصاب، والإرهاب).
خاتمة: البيئة والإنسان وجهان لعملة واحدة تجسد البحث والحرص على مقومات الحياة الكريمة والرفاهية في المجتمعات المدنية في الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي وتهيئة البنية التحتية والمسوغات والعهود والمواثيق الدولية في مجال المحافظة على البيئة وحماية الموارد الطبيعية من النضوب والتلوث، خصوصا عند الحديث عن إكسير الحياة (الماء)، الذي يهدد توافره في المستقبل القريب هاجس المختصين والباحثين في العالم العربي، وفي المقابل يتخوف الفرد والمجتمع العربي، والخليجي بصفة خاصة، من تداعيات ومخلفات توافر بعض المصانع الكيماوية والنووية لإيران على تلوث مياه الخليج العربي وتدمير البيئة الخليجية بصفة عامة وتضرر إنتاجية مياه الشرب المحلاة بصفة خاصة بسبب رمي النفايات والمخلفات البيئية، والتي تقلق أيضا هاجس منظمة الصحة العالمية، وتنشد تعاون جميع المنظومات والهيئات والمؤسسات البيئية العربية وتظلمها إلى محاكم مختصة بجرائم البيئة الدولية.