التربية وحقوق الإنسان
في الحلقة السابقة تحدثنا عن خصائص وطبيعة المؤسسات الحقوقية الوطنية التي تعمل في مجال حقوق الإنسان، وأنها تعتبر معياراً لإنجازات مشتركة لكافة الشعوب والدول لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، كما أنها من المصادر المهمة للمعلومات الحقوقية التي تستفيد منها الدول ومؤسسات المجتمع المدني، وأن تلك المؤسسات ذات طابع إداري وليست جهة قضائية ولا تصدر قرارات لكنها مؤسسة تكتسب الصفة الاستشارية فيما يتعلق بحقوق الإنسان على الصعيدين الوطني والدولي، ولأهمية التربية في بناء شخصية الإنسان وعلاقة ذلك بحقوق الإنسان خاصة أننا نعيش في تغيرات كثيرة لما يحيط بنا من مؤثرات محلية وإقليمية وعالمية والاحتكاك المستمر بالثقافات الأخرى وانفتاح الناس على وسائل الاتصالات الحديثة فدعونا نتحدث عن:
أهمية التربية في بناء الإنسان
قبل أن نتحدث عن التربية دعونا نُعرفها، فقد وجدت أن أوجز وأدل تعريف للتربية هو: ( كل عملية - أو مجهود أو نشاط - يؤثر في قوى الطفل وتكوينه بالزيادة أو النقص أو الترقية أو الانحطاط) حسبما ورد في كتاب (التربية وطرق التدريس) تأليف الدكتور عبد العزيز عبد المجيد والأستاذ صالح عبد العزيز إصدار دار المعارف في مصر، ومن خلال التعريف المذكور ندرك أن العمليات المؤثرة في الطفل مصدرها الطفل نفسه والبيئة الطبيعية والاجتماعية التي تحيط به وما دام أن هناك مؤثرات مختلفة على الطفل في حياته لذا فإن التربية تعني توجيها للحياة أو تشكيلا لطريقة معيشتنا، ويتلخص مفهوم التربية في الكلمة المتداولة بين الناس أن (الحياة مدرسة) وذلك حسبما ورد في المرجع المشار إليه أعلاه، ولا شك أن أول مرب في حياة الناس هي الأسرة أولاً (الوالدان) ثم المدرسة، وتأتي بعد ذلك وسائل الإعلام وتأثير أصدقاء الطفل والمسجد وقد قال القائد والمعلم الأول محمد - صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) لذلك فإن الوالدان يلعبان دوراً حيوياً ومهماً في تربية وبناء شخصيات أبنائهما، وهما اللذان يحسنان اختيار المدرسة المناسبة لأبنائهما ويتابعان تقدمه فيها، وهما اللذان يتدخلان في انتقاء الأصدقاء ويحثان الأبناء الذكور على الصلاة في المسجد، وتحث الأم الإناث على الحرص على الصلاة في المنزل ويكون الوالد قدوة حسنة للأولاد، كما أنه من المهم أن يزرع الوالدان القيم ومكارم الأخلاق في أبنائهما منذ الصغر من سن الخامسة وحتى قبلها حتى يشبوا عليها قبل البلوغ، فإذا تأخرا عن ذلك فقد فات الأوان وربما تلبستهم مساوئ الأخلاق التي تصعب إزالتها أو تعديلها، وقد اتفق الفلاسفة المسلمون مثل ابن الجزار في كتابه (سياسة الصبيان وتدبيرهم)، ومأسويه في كتابه (تهذيب الأخلاق) وابن سينا في كتابه (القانون في الطب) اتفقوا جميعاً أن من الضروري البدء بتهذيب الطفل وتعويده على ممدوح الخصال منذ الصغر (الفطام) وأنه من المهم التركيز على التربية في مجال العبادة والتربية الدينية عندما يبلغوا السابعة حسبما نصت عليه التربية الإسلامية وأنه لابد من اللطف والتشجيع ومزج الرغبة بالرهبة وإظهار العبوس وعدم الرضا والصد عن الأبناء المقصرين وعدم الحديث معهم ليوم أو يومين وإنقاص ما يعطى لهم من مصروفات أو ميزات حتى يحسوا بأنهم مقصرين ومذنبين، وإذا ما أصبحت الحالة تستدعي اللجوء إلى استخدام اليد فليكن بعد بلوغهم العاشرة بشد الأذن أو الشعر باعتدال والتأنيب بالكلام وربما استخدام مسطرة أو عصا صغيرة بضربه بخفة على مؤخرته مع الحرص على عدم ضربه أو صفعه على وجهه لأن المهم هز بدنه وإشعاره أن اللطف وحسن المعاملة لم تثمر معه، ومن المهم أن لا يفقد الوالدان الأمل وأن يستعينا بعد الله بالأبناء الأكبر سنا على المشاركة في التربية بالتي هي أحسن وبالحكمة وفي حدود معقولة لا تصل لحد الضرب، وعلى الوالدين أن يدعيا الله تعالى لأبنائهما بالهداية والرشد. وفي الحلقة (193) نكمل ما تبقى.